Friday, August 25, 2017

إعدام كافر


لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن تكون هذه نهايتي , تقرأ وتسمع وتشاهد كل الفظائع في هذا العالم , وتعرف جيداً أن حياتك من الممكن أن تنتهي كما تعرفها أو تنتهي تماماً في أي لحظة … ولكن لسبب ما تظن أن كل هذا لن يحدث لك , لا ادري هل كنت اظنني رجلاً صالحاً أو محظوظاً في حياتي لأستحق خاتمة أفضل لقصتي , ولكن نهايتي فاقت اسوأ كوابيسي رعباً وألماً وظلاماً …

بدأت النهاية حين اضطرتني ظروف مهنتي للسفر , لا زلت اذكر جيدا وداعي الأخير لأسرتي … حين باركتني أمي وودعت زوجتي وقبلت رأس طفلي الرضيع ثم وقفت مطولاً امام صورة أبي رحمه الله , الآن وقد إقتربت النهاية كم أتمنى لو أنني لم أغادر , لو أنني قلت لهم الكثير , لو أنني اعطيتهم أكثر , ما أمر طعم الأماني حين تتحول الى ندم …


كانت مأمورية سفر عادية , وبعد وصولنا لوجهتنا بزمن قصير بدأت الإشاعات والإضطرابات الأمنية , وقبل أن نتمكن من التحقق من وضعنا أو الترتيب لنعود ادراجنا وقعت اسيراً في قبضة محاربي داعش , مصير قاتم إذا كنت مثلي … رجلاً مسيحياً

كان الأمر في منتهى الغرابة , كان واقعاً أغرب من الخيال … لم يكن الأمر ابداً كما نراه في الأفلام حيث يختطف ارهابيون بعض المجهولين ليطالبوا بفدية , بعد أن قبضوا علينا تحت تهديد السلاح لم يتكلم معنا أحد أو يسألنا عن ديننا أو طبيعة عملنا … كانوا فقط ينظرون الى الصليب الذي نرتديه أو نشمه على جلودنا نظرات إحتقار وسخرية



بعدها تم إحتجازنا وأحسست لأول مرة بإحساس السجن , في بداية فترة إحتجازي كنت اراقب رفاقي وردود أفعالهم المتفاوتة … فهذا منزو في الركن يصلي ويدعو , وهذا صامت في ذهول , وهذا يصرخ بشكل هيستيري , وهذا ينادي السجانين ليعلمهم أنه على إستعداد أن يعتنق الإسلام وهو يبكي ويسترحمهم بحاله وبحال احباء ينتظرونه …

أما أنا فقد كنت اقضي الساعات الطوال استعيد ذكرياتي مع اسرتي وخصوصاً تلك التي تتعلق بالإسلام والمسلمين , اذكر أمي التي كانت تزور جاراتنا المسلمات وتهنئهن بأعياد المسلمين وتشارك معهن في مناسباتهن , وحين كنت اسألها كانت تقول أن هذه التصرفات هي تصرفات المسيحي الحقيقي وأن هذا هو ما علمنا إياه يسوع , أما أبي رحمه الله فقد كان يفعل كما تفعل أمي … بل واحياناً يستدل بآيات من قرآن المسلمين ! كان يرمم المساجد مع المسلمين ويجمع التبرعات من المسيحيين لأجلهم كان ضد العنف بكل اشكاله وخصوصا العنف بإسم الدين وكان دائماً يردد : طوبى لصانعي السلام .



سألت أبي يوماً عن رأيه في المسلمين فقال : إنهم يعبدون نفس الإله الذي نعبده . ليتك معي يا ابي لترى ما سيفعله بي المسلمون , هل أحدثهم عنك ؟ هل سيهتمون ؟ أذكر أنني قبل أن اسافر في رحلتي هذه حدث تفجير في فرنسا في مجلة تشارلي إيبدو تبنته جماعة إرهابية إسلامية … قامت إحدى القنوات التي غطت الخبر بإستضافة إحد الدعاة الجهاديين , حدثه المذيع عن سماحة الإسلام واخلاق رسوله محمد وأنه كان مسالماً متسامحاً … رد عليه الشيخ أن الرسول محمد كان مسالماً لأنه لم يكن متمكناً ولكنه حين تمكن أعلنها حرباً على العالم الكافر أجمع وهذه سنته وسنه خلفاءه الراشدين ! هكذا هم المسلمون , إرهابيون يحنون للقتل والتفجير … حتى ولو تظاهروا بالسلام والمحبة والإخاء … أشكر الرب أنني لست مسلماً

البسونا لبساً موحداً واخذونا الى شاطيء البحر حيث قيدوا ايدينا وراء ظهورنا واجلسونا على الأرض ووقف وراء كل واحد منا ارهابي يحمل خنجراً … ورغم أن النهاية كانت محتومة الا أنني لا زلت املك املاً ضئيلاً بالنجاة , ربما تكون داعش صنيعة امريكية كما يقولون ولن يقتلونا , ربما تكون تلك المشاهد الوحشية مجرد خدعة سينمائية , ربما يهب احد لإنقاذي أو تصيب الإرهابي الذي خلفي صاعقة , ربما أعيش لأقبل يد أمي وأحتضن زوجتي وطفلي … ربما



يعلو الضجيج في رأسي وتنزل دموعي غصبا , يتكلم قائد الإرهابيين قليلاً ويذكر ايات واحاديث ثم وعيد وتهديد ثم يعطي الإشارة … ينحني قاتلي بسكينه لينحر عنقي , لا اقاوم فلا فائدة من المقاومة … خنجره الحاد بارد جداً , يمر خنجره على رقبتي دون مجهود يذكر … الم فظيع ولكنه سريع جداً , يليه نزيف غزير …

اشعر انني اغرق , صرخاتي المكتومة تدوي داخل صدري وحنجرتي مليئة بالدماء … لا يزال الضجيج في رأسي عالياً , ها أنا ارى أمي التي سأتركها وزوجتي الأرملة وإبني اليتيم , إبني الذي لم يقل لي كلمة بابا … قلبي ينبض بقوة هائلة … كأنه لا يصدق أننا سنموت , لا تتعب يا قلبي فلا فائدة من خفقانك وجسدي يسبح في بركة من دمي الدافيء , إهدأ وإسترح … لقد إنتهينا



أبانا الذي في السموات
ليتقدس اسمك،
ليأتي ملكوتك،
لتكن مشيئتك،
كما في السماء كذلك على الأرض،
اعطنا خبزنا كفاف يومنا،
واغفر لنا ذنوبنا و خطايانا،
كما نحن نغفر أيضآ لمن اخطأ واساء الينا،
ولا تدخلنا في التجربة،
ولكن نجنا من الشرير
لأن لك المُلك والقدرة والمجد إلى أبد الدهور

السلام عليك يا مريم ‘ يا ممتلئة نعمة ، الرب معك ، مباركة أنت في النساء ، و مباركة ثمرة بطنك ، سيدنا يسوع المسيح .

يا قديسة مريم ، صلّي لأجلنا نحن الخطأة ، الآن وفي ساعة موتنا.

آمين.



جسدي يرتجف , قواي تخور , أسقط على الأرض … يتمرغ جسدي بالطين الممزوج بدمي ودموعي , يهدأ الضجيج الذي في رأسي ويتباطأ نبض قلبي واتقبل مصيري



وفجأة ! يقلبني أحد على ظهري ويمسح الدم المتجلط عن رقبتي ووجهي !

يا الهي هل من الممكن أن أنجو بعد كل هذا ؟! هل هذا طبيب يريد أن يعالج جرحي وينقذني ؟! موجة من الأمل تسري في سائر جسدي الذي لا يزال متمسكاً بروحي التي أوشكت على الرحيل .

أجاهد لأفتح عيني … ارى نوراً ساطعاً , يحمله رجل ملتحي … هل هو طبيب ؟!

لا , إنه رجل يحمل كاميرا تصوير فيديو … ليوثق آخر لحظاتي وأنا أنازع , يال السخرية !

تترسخ قناعة الموت الآن بشكل أعمق , اسعل روحي وأنفاسي الأخيرة … واقبل على مضض فكرة الرحيل … لا افكر في من سأتركهم بل في من سألتقيهم , أبي الحبيب … سأخبره عن حقيقة المسلمين التي غابت عنه وإضطررت أن أكتشفها بهذه الطريقة الوحشية , سألتقي يسوع … ها أنا اراه … باسطاً ذراعيه لي



لدي الكثير من الأسئلة … هل أنت إبن الله كما نقول أم رسوله كما يقولون , هل محمد فعلا رسول ؟ كيف يكون الإسلام ديناً سماوياً كما المسيحية ؟! وأنت علمتنا أن من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر ؟!



إحتضني يا يسوع , إحفظ أهلي … مرر يدك على جرحي … دعني أبكي على كتفك … وإهمس في أذني تلك الكلمات التي علمتنا إياها , تلك الكلمات التي عشت بها حياتي … طوبى لصانعي السلام .

No comments:

Post a Comment