Friday, August 25, 2017

الحقيقة


ما هي الحقيقة ؟ هل هي وجهة سنصل اليها ؟ طريق نسير عليه ؟ ام انها وليدة عجزنا وحوجتنا ؟
صندوق كنز رسمنا الخريطة اليه مع اننا ما ملكناه يوما ولا نعرف اين هو ، فيه كل الإجابات التي اعجزتنا ، كل الثواب الذي استحققناه فما اتى ، كل عقاب اعدائنا الذي استحقوه فتأخر ، احبابنا الذين فارقونا ، احلامنا التي لم تتحقق وقيود كوابيسنا التي لا تنتهي … والأهم خلاصنا من الشك والندم ومن كل آفاتنا اللعينة
الحقيقة صخرة عظيمة ، لم نعلم من اين اتت … بعضهم قال نحتتها الآلهة والبعض قال هي نيزك لا قيمة له ، نظرنا في انفسنا وتشابهنا في الإنسانية ولهفتنا على الصخرة ، تحارب الآلهة فيما بينهم على ملكية الصخرة فبقي اقواهم … ثم قال : اجيبكم بعد حين
انقسم الناس حول الصخرة الى فريقين ، قسم اعتقد ان الصخرة اما انها تحتجز الحقيقة داخلها واما انها صخرة زيف … وفي الحالتين قرروا تحطيمها والوصول الى لبها ، والقسم الآخر بنى حول الصخرة الجيوش والمعابد ، قدسوها … ثم قالوا : لا تخرقوا السفينة فتغرقونا ! لا تعبروا الجسر بين البشر والآلهة ! وانتظروا وعد الإله …


انقسموا الى فرقتين على جانبي الصخرة واقتسموها ، هؤلاء بمعاولهم وهؤلاء بالدعاء …البعض ينتقل من جانب لآخر والبعض قرر ان يقف جانبا ويظل متفرجا ، من شرعوا في تحطيم الصخرة اكتشفوا انها طبقات … تعلموا في مشوارهم في طبقات الحقيقة ان الصخور انواع شتى ، ان اصطدام معاولهم بالصخرة ولد الشرر … اخترعوا النار والنور واستعبدوا كليهما ، والأدهى والأمر انهم بعد اكتشافاتهم مع الصخرة قرروا ان يستنطقوا اشياء اخرى ! ففقدت الصخرة حقها الحصري في تعليم البشرية . كان التدمير دوما هو الطريق الى المعرفة ، اما ان تسحق الشيء لترى دواخله كما تشرح الجثة … واما ان تحطم مكانته والخرافة التي تدور حوله كما تكتشف ان الماسة هي في الواقع قطعة فحم
اصدقاؤنا في الجانب الآخر الذين لجموا فضولهم عله يكافأ من الإله لم يمسوا صخرتهم المقدسة بسوء ، رسموا عليها احلامهم وآمالهم وكتبوا عليها ادعيتهم وصلواتهم ورردوا ترانيمهم بجانب الصخرة … يوما يمسح المطر والجو العاصف ما كتبوه ورسموه ويوما تشرق الشمس راضية عن ما كتبوه ورسموه ، كان حبرهم في البداية دم القرابين وكانت القرابين اطفالهم ثم صارت انعامهم … كانوا يعشقون ان يسمعوا صدى ترانيمهم عن الصخرة ، يشعرون بأنها حنت وقطعت صمتها الطويل الذي دام دهورا
الحياة خارج محيط الصخرة كانت اجمل ، كانت اقل جنونا وتطرفا واكثر تكاملا وسعادة … عاش فيها هؤلاء الذين جعلوا بينهم وبين العلم والدين مسافة معقولة ، قالوا لا يتضاربان او يصلان لنهاية واحدة او هما واحد … اختلفت تفاسيرهم وقناعاتهم ولكنهم اتفقوا على ان لا ينجروا الى هذا الصراع
تجد بيوتهم مصنوعة من صخور من حطموا الصخرة مطلية بالوان صنعها من قدسوها ، ينشدون داخلها ترانيم من قدسوا الصخرة يحملون مصابيح صنعها من حطموها … كان الحياد جميلا ومريحا للضمير ، كمسكن يتناوله مصاب السرطان … طمأنينة كاذبة مفادها ان اي الفريقين صدق فنحن معه
اسوأ مافي حقيقتنا انها تكذب ، كم تكلمت دون كلام وكم كتبت بدون قلم ، كم غيرت رأيها ولونها وملمسها ورائحتها …لا ندري اكذبت علينا ام كذبوا علينا بإسمها ، لا ندري هل نلومها على سكوتها في حضرة كذبهم ام نلوم انفسنا اننا نسينا طبيعتها الصامتة ووعد الإله الأزلي … ولكن المأساة التي تدعو للإحباط واليأس ان الحقيقة مطلقة واننا نسبيون ، اننا اتينا الصخرة باحثين عن حقيقتنا فكيف نكتشف حقيقتها ؟! كيف نتبين صدقها من إفكها ونحن نكذب وظروفنا تكذب وحواسنا تكذب ؟!
لم يعد محيط الصخرة يتحمل التعايش بين الفرقتين ، اخطأوا في البداية حين اعتقدوا ان بإمكانهم إقتسام الصخرة العظيمة … محطموا الصخرة ازداد نهمهم للمعرفة ونشوتهم بتفوقهم على عباد الصخرة ، ولكن لكي يكتمل مشروعهم لا بد ان يحطموا النصف الخاص بالعباد … الجزء الذي يصلون اليه ويدعون له وعليه دماء قرابينهم وادعية اجدادهم … ولكن لا بد من ما ليس منه بد ، لقد كانت اعظم نظريات محطمي الصخرة ان وهم الإله مرتبط بالغيب وان فكرة الرب ستبقى ما بقيت هناك اسئلة غير مجابة ، راودهم حلم مجنون ان الإنسان حين يقتل وهم الإله سيصبح الها ! وان العقبة التي تقف بينهم وبين العرش هي هذه الصخرة وعبادها
على الجانب الآخر من الصخرة طال انتظار المقدسين لوعد الإله ، ورغم ان صلواتهم وعبادتهم تزداد يوما بعد يوم إلا انهم لا يزدادون إلا فقرا وقحطا وتعاسة ولا يزيدون عن جنة الدنيا الا بعدا … بعضهم تصوف وظن ان هذه هي مشيئة الإله وان الله يمحصهم ليزداد رضا عنهم وبعضهم ظن ان الإله حرمهم جنة الدنيا وإدخرها لهم … اما كبار المقدسين واقربهم الى الصخرة فقد استنتج ان ما يصيبهم هو غضب من الإله جزاء ما فعلوا بصخرته التي قتل اخوته بسببها
كيف لإله واحد ان ينزل على عباده وهم منشقون ومختلفون الى فرقتين ؟ كيف يبارك ارضا فيها من خالف وعده وعهده ويريد قتله واغتصاب عرشه ؟ ان نزول الجنة الى الأرض يتطلب ان تنتهي المعركة بين المقدسين والمحطمين … ان يرسلوهم للجحيم عن آخرهم قبل دخول الجنة فلا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار ، وهكذا ازداد تطرف المقدسين وهم يمنون انفسهم ان ينظر اليهم الإله بعين الرضى وهم يقتلون اعداءه
ازداد رقعة الصراع لتشمل كل ما حولها ، فلم يعد الحياد ممكنا في حرب بين عالمين … بين من يقتلون بإسم الإله وبين من يقتلون الإله … بين وعود الإله وتوقعات العلم … بين المقدسين والمحطمين ، وقتها حين تصارع العلم والدين كان الجهل جميلا ورحيما
وبين من يدافعون عن اله لا يحتاج الى من يدافع عنه وبين من يحاولون قتل اله لا يموت ، هناك من يصرخون : دعونا نعيش …

2 comments: