Wednesday, April 18, 2018

في نقد ناقدي الحداثة وما بعد العلمانيين في السودان

لم أدخل عالم السياسة والأحزاب الإلكتروني مؤخرا ، كنت قد انتهيت من الإمتياز وأعمل طبيبا عموميا في مستشفى إبراهيم مالك ، لم تكن أسرتي مهتمة بالسياسة أو الأحزاب ... فأبي رجل شاعر يتغنى بقصائده القديمة وذكريات صباه ، معارضته للوضع السياسي ليست نابعة من انتماء حزبي أو أيديولوجي ... بل من مقارنة الوضع الحالي بزمن جميل عاشه ، حين كان السودان حرا كريما ، أما أمي فإمرأة طيبة وبسيطة لها مكتبة دينية ضخمة ، أكثر من عشرين عاما من الإغتراب لم تشتري فيهما ذهبا ولا عقارا ... لم تدخر في حياتها إلا مكتبتها الدينية ، ورغم غزارة معرفتها الدينية إلا أنها لم تكون يوما متشددة ... إن فوت أحد أبنائها الصلاة تدعوا له بالهداية ، التدين بالنسبة لها دافع للتفاؤل والأمل ... سيهدي الله أبنائي وبناتي وسيصلح حالنا طالما أننا نصلي وندعو .

بداية حياتي التي قضيناها في الغربة وأسرتي التي تنسب أغلب أحداث الأرض الى ملكوت السماء لم يخلق لدي الدافع لاقتحام مجال السياسة أو أنتمي إلى حزب ما حتى بعد أن بدأت دراستي الجامعية في السودان رغم أن ممارسة السياسية كان محظوراً في الجامعة التي درست فيها ، أعتقد من تجربتي الشخصية أن السودانيين الذين تَرَكُوا السودان وخصوصا بعد بطش نميري وإتجه جزء كبير منهم الى المملكة وخصوصا مع ثروتها البترولية قد عزفوا عن السياسة وكل ما يمت لها بصلة ... لا ينضمون إلى حزب ولكنهم ينتقدون الأحزاب بكل إستفاضة وإحترافية ، لا يشاركون في التغيير وينتظرون قدومه بفارغ الصبر ، معتقلات وبيوت أشباح في السودان وحكم ملكي ديني في المملكة ، وبين هذه المطرقة وهذا السندان صارت السياسة من أكبر الموبقات والمهلكات ... والأدهى والأمر أن أبي وأمي وجيلهم قد ورثوا هذا الرعب من السياسة إلى جيلنا ، كبرنا وهم يرددون على أسماعنا : لا تقربوا السياسة ! السياسة مجال قذر لا ينجح فيه إلا القذرون ! كل من دخلوا عارضوا النظام إما في المقابر أو في السجون ! وكبرنا مثلهم ننسب سوء حالنا الى معاصينا وثراء الفاسدين وسيطرتهم الى انها امتحان إلهي لندخل الجنة وأن الوضع المزري في الأرض سببه إرادة السماء .