Saturday, September 10, 2016

السلف الصالح نسبياً (إهداء الى السلفيين وأنصار السنة)

مقدمة وتحذير
يحتوي هذا المقال على كلمات قد تكون خادشة للحياء او خارج اطار الآداب العامة , ولم انوي نقل هذه الكلمات والمواقف في هذا المقال الا من باب الأمانة العلمية , والهدف من هذا المقال هو أن يحفزكم اعزائي القراء ان تبحثوا في التاريخ بلا قيود ولا خطوط حمراء ... وهنا لا أعني التاريخ الذي يتبناه رجال الدين والتعليم والإعلام الرسمي , بل تاريخنا في عين الآخرين قبل أعيننا , لنصل الى موقف عادل ومحايد .
لطالما تبجح الماضويون وعبدة التاريخ أنهم بتمكنهم من التاريخ فهم الأجدر بتسيير شؤون الحاضر ورسم معالم المستقبل , هربهم الى التاريخ واضفاء القداسة عليه وعزفهم على وتر العاطفة الدينية هو لفشلهم في مجال العقل والمنطق , ولكننا اليوم نواجههم بتاريخهم ... لنقول لهم أن فهم التاريخ ليس حكراً عليكم ... أنكم مسؤولون عن تصرفاتكم حتى لو نسبتموها الى الإله ... أنكم لا تملكون الأرض ولا البشر .
د. ياسر ضحوي
لاحظت في الفترة الأخيرة انتشار عدد من الفيديوهات لبعض السلفيين ينتقدون ما أسموه (الإسلام الوسطي أو المعتدل) , ويستند إعتراضهم من منطلق أن السلفي لديه تعريف للإسلام الحقيقي وما هي خصائصه وكيف يجب أن يكون , لأنه لا أحد ينتظر إذن السلفيين وأنصار السنة أو رضاهم حول دينه الشخصي لذلك تجد لديهم شبقاً لا ينطفيء لدولة دينية وحكم ديني حتى يتاح لهم التسلط على تدين الآخرين والتعبد لله بضبط غيرهم تحت حجج كالدعوة والمجتمع المسلم وخلافه ... ولكن بغض النظر عن هذا لا بد من الإجابة على سؤال مهم : ما الذي يجعل السلفي يعتقد أن طرحه الديني والسياسي والمجتمعي متفوق على بقية الأطروحات وخصوصاً العلمانية والليبرالية ؟
الجواب يكمن في ما أحب أن أسميه الإحتماء بالمقدس , فماذا نعني بالإحتماء بالمقدس ؟
العقل الماضوي يستند على أنه يستمد شرعيته وأفكاره وطرحه من الذات الإلهية , وبالتالي فهذه الأفكار والأطروحات صحيحة بذاتها وليست مجالا للنقد العقلي ... ولنضرب مثالاً لنقرب المعنى
لو إفترضنا أن هناك جهة ما تمتلك ثقة الملايين في ما تقدمه من معلومات , وقال لك شخص ينسب نفسه الى هذه الجهة أننا إستنتجنا أن كل الخضروات حمراء وبما أن التفاح أحمر إذن التفاح من الخضروات ! وعندما حاولت أن تبين لهذا الشخص أن ما يقوله أنه مجرد هراء وأن إستنتاجه معيب ومنطلق من مقدمات خاطئة رد عليك أن كلامه صحيح لانه جاء من جهة لا تخطيء !
المثال أعلاه يمثل بشكل مبسط العقلية الماضوية , فالماضوي لا يقدم طرحه على انه عقلاني بل على انه مقدس ... وهذا الطرح لا ينجح مع من لا يشاركك نفس المقدسات , يقول برتراند راسل : حقيقة أن رأيًا ما مقبولًا على نطاق واسع هي ليست دليلا على عدم سخافة هذا الرأي.
فلو قال مليار شخص كلاماً غبياً لا ينفي عددهم أن ما قالوه كلام غبي , بمعنى لو قلت لك أن ما تقوله خاطيء فلا بد أن تكون قادراً على الدفاع عن ما قلته على اساس عقلي ومنطقي , اما إذا إعتمدت إستراتيجية الإحتماء بالمقدس فإنك لم تثبت أن ما قلته صحيح لأنه منسوب للإله ... بل بإختصار قد نسبت الخطأ الى الهك , لذا فإن الطرح الماضوي لا ينمو وينتشر في بيئة عقلانية أو مجتمع يحترم العقل النقدي , لذا يسعى الماضوي الى التأسيس ... تأسيس بيئة ومجتمع تستمد معارفها وقناعاتها من المقدس ... بيئة تغلق العقول وتصادر التفكير ... لذا فإن ألد اعداء الماضوي هو الحرية , لأن الحرية تعني حرية التفكير ... حرية الإختلاف ... حرية إنتشار الإختلاف ومفارقة القطيع .
وفي هذا المقال لن نناقش الطرح الماضوي من منطلق عقلي , بل في لمحة سريعة سننقد التاريخ الذي يقدسه الماضويون ... فالماضوي يقدم التاريخ والتراث الديني على أنه المجتمع المثالي الذي وصلت فيه الإنسانية الى القمة الروحية والأخلاقية , فالمجتمع الذي يقتدي به السلفي كان مجتمعاً على إتصال مباشر بالإله عبر الوحي حين كانت ابواب السماء لا تزال مفتوحة ... فالإله يخاطبهم ويوجههم , وشخصيات ذلك المجتمع هي التي عاصرت آخر الرسل وخير البشر وهم الذين نقلوا رسالة الإله إلينا ...
فهل كان ذلك المجتمع مثالياً ؟ لنرى ... أربطوا الأحزمة !
عن ابن عباس رواه الطبري في تفسيره (2/ 263-264) وسعيد بن منصور (3/ 804) وابن أبي شيبة (3/ 310) والبيهقي في ( المعرفة ) (2892) والحاكم (3093) وصححه .
ولفظ ابن أبي شيبة : عن أبي العالية عن بن عباس قال: تمثل هذا البيت وهو محرم قال:
وهن يمشين بنا هميسا *** ان تصدق الطير ننك لميسا
فقيل له: تقول هذا وأنت محرم؟!
فقال: إنما الفحش ما روجع به النساء وَهُمْ محرمون
عبد الله ابن عباس حبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن , يتغنى وهو محرم ببيت شعر فيه كلمة (ننك) على الملأ ! وهنا اسمع احد السلفيين في عقله يستعد للرد ليقول انه تصرف مفرد لا يعبر عن ابن عباس او مجتمعه ... الأدهى والأمر أن الإعتراض الذي وجهه الوسيط المحيط لإبن عباس ليس بسبب كلمة ننك , بل بسبب كلمة ننك في الإحرام ! وعندما فسر ابن عباس ان التلفظ بكلمة نيك (أنا أعتذر عن اللفظ !) ليس رفثاً فقد إنتفى اساس الإعتراض وصار التصرف مقبولاً تماماً ! (لو لم يكن محرماً ماذا كان سيقول ؟!)
وأخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح، عن عليّ رضى اللَّه عنه قال: كذبتكم من النساء الحارقة، فما ثبتت من امرأة إلا أسماء بنت عميس.
و «كذب» هاهنا: إغراء، أي: عليكم بالحارقة، وهي كلمة نادرة جاءت على غير قياس.
والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، الضيقة الملاقى- وهو مأزم الفرج ومضايقه- كأنها تضمّ الفعل- بفتح الفاء وسكون العين أي الفرج- ضمّ العاضّ الّذي يحرق أسنانه، ويقال لها: العضوض والمصوص.
وعن عليّ عليه السّلام: إنه سئل عن امرأته، فقال: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة،
أراد بالطارقة:
التي طرقت بخير، والفائقة: فاقت في الجمال. وقيل: الحارقة: النكاح على الجنب، أخذت من حارقة الورك، وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع.
وعنه عليه السّلام: كذبتكم الحارقة، ما قام لي بها إلا أسماء بنت عميس. ذكره الزمخشريّ في (الفائق) .
وقال ابن منظور: والحارقة، والحاروق من النساء: الضيقة الفرج، وامرأة حارقة: ضيقة الملاقى- وقيل: هي التي تغلبها الشهوة حتى تحرق أنيابها بعضها على بعض، أي تحكها، يقول: عليكم بها، ومنه الحديث: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة. (اللسان) . وقال في هامشه: قوله: «يقول عليكم بها» ، كذا بالأصل هنا، وأورده ابن الأثير في تفسير حديث الإمام على: خير النساء الحارقة، وفي رواية كذبتكم الحارقة.
اما المنقول هذه المره فهو عن واحد من آل البيت والخلفاء الراشدين والمبشرين بالجنة , والمنقول ليس بيت شعر به كلمة جنسية صريحة فحسب ... بل هو وصف لأعضاء الأنثى التناسلية ! لزوجته ! علناً !!! لا تعليق !
والآن سيداتي وسادتي ... الطامة الكبرى :
عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثياب الراوي: نافع مولى ابن عمر المحدث: الألباني - المصدر: إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 6/201
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
عبد الله بن عمر , الصحابي والعالم وراوي الحديث الذي حضر غزوة الخندق وبيعة الرضوان ... في مجتمع مثالي فيه سوق نخاسة ! يقف الجواري عاريات لأنهن بضاعية يعاينها المشتري ! يقف عبد الله عمر امام الجارية المراد شرائها ويضع يده على عجزها ! ويكشف عن ساقيها ! ويهز ثدييها ! وهذا امر طبيعي جداً من صحابي جليل في مجتمع مثالي !
ويقولون أن العلمانية فجور وأن الرأسمالية جعلت الإنسان سلعة !!!
بناء على ما سبق فأنا اتراجع عن علمانيتي وأريد أن أكون سلفياً ! اريد أن أقتدي بالصحابة حرفياً ! وبما أن التصرفات المذكورة آنفاً حدثت في مجتمع هو خير القرون فأنا أريد أن أنشد أبياتا تتحدث عن ال*** وأنشرها على الفيسبوك , اريد أن أتحدث عن الأعضاء التناسلية للمرأة على الملأ , أريد سوق نخاسة أكشف فيه عن سيقان الإناث واضع يدي على أعجازهن وأهز أثدائهن !!! كما فعلوا رضي الله عنهم ...
قد تستشعرون السخرية في كلماتي اعزائي القراء فأنا لم أجتهد لأخفيها , فهل هذا المجتمع هو المجتمع المثالي الذي يريد منا الماضوي ان نحجب نسائنا ونختن بناتنا ونوالي المؤمنين ونعادي الكافرين إقتداء به ؟! قبل أن نجيب على هذا السؤال لا بد أن نحدد موقفنا من السلف ومن التراث ...
بين السلفي والقرآني
بما أن النصوص المقدسة بتفسيراتها وفهمها الحالي تجعل التصرف خارج حدودها خطيئة وجريمة بالإضافة الى الرغبة الجادة لكثير من المؤمنين للمحافظة على قدسية نصوصهم وانتشالها من الوحل فقد أنتج هذان العاملان بالإضافة الى عوامل أخرى الى ظهور حركات إصلاح دينية وفهم جديد للنصوص المقدسة , وفي محاولة هؤلاء للتأسيس للإنسانية والعقلانية داخل النص الديني بسبب شيطنة التفكير الحر خارج النص الديني على يد التيار الأصولي بدأ الصراع ... بين القديم والجديد ... بين من يريد وضع الدين على ارض الواقع وبين من يريد وضع الواقع ضمن حدود الدين ... بين السلفيين والقرآنيين , ولنضرب مثالاً
إحدى مجموعات الفيسبوك المشهورة إسمها : نظرية آذان الأنعام , وصف المجموعة : لمناقشة ملامح ورؤى نظرية (آذان الأنعام - دراسة قرآنية علمية لنظرية دارون في الخلق والتطور). لـ د. عماد الدين محمد بابكر حسن، والمهندس علاء الدين حسن.
ونظرية آذان الأنعام هو كتاب للراحل د. عماد الدين يؤصل فيه لنظرية التطور داخل القرآن الكريم ويحاول درء التعارض بينها وبين الإسلام , والمجموعة مكان نقاش مستمر بين القرآنيين والسلفيين ... ودار النقاش يوما ما عن قوله تعالى (وإضربوهن) ... أحد القرآنيين أكد على أن مذهبهم القائم على تفسير القرآن بالقرآن ذكر أن كلمة ضرب لها عدة استخدامات ومعاني في القرآن مثل : ( وضربت عليكم الذلة والمسكنة...*) و ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة...)
ومن معاني كلمة ضرب الإضراب أي الإمتناع , وهذه الآية تعني أن الزوج يهجر زوجته ولا تعني أن يضربها , وبغض النظر عن هذه (الفهلوة اللغوية) فإن القرآني لا يستطيع أن يفسر أو يفند التراث الإسلامي الذي يعارض تفسيره للقرآن ... فعن إياس بن أبي ذباب قال قال رسول الله « لا تضربوا إماء الله»، فأتاه عمر رضي الله عنه ، فقال يا رسول الله ذَئِرَ النساء أي اجترأت على أزواجهن؟ فأَذِنَ في ضربهن، فأطاف بآل محمد نساءٌ كثير؛ كلهن يشكون أزواجهن، فقال النبي لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأة؛ كلهن يشكون أزواجهن، وليس أولئك بخياركم» صحيح سنن أبي داود للألباني
يستطيع القرآني أن يؤصل لعدم ضرب الزوجة في القرآن ولكنه لا يستطيع أن مجتمع الصحابة الذي نزل فيه الوحي كان يمارس فيه ضرب الزوجة , يستطيع القرآن أن يؤصل لتحريم العبودية في القرآن ولكنه لا يستطيع أن ينفي أن المجتمع الذي نزل عليه القرآن كان فيه عبيد وجواري ... إلا إذا أقترح القرآني أنه يفهم الدين أكثر من الرسول والصحابة ! يستطيع أن يختبيء القرآني وراء نظرية المؤامرة وأن تراثنا مزيف ومدسوس ولكنه لا يستطيع أن يأتي بتاريخ جديد .
إذن ما هو الحل ؟
الحل بإختصار هو النظر الى التاريخ على أنه تاريخ , ما تقدمت بذكره عن إبن عمر وإبن عباس وعلي بن أبي طالب لم أقصد به الإساءة إليهم , فأنا أعترف بنسبية الإنسان ... ولو كنت مكانهم لفعلت كما فعلوا لأن الإنسان إبن بيئته ومجتمعه , وأجيال المستقبل قد تستنكر ويشنعون تصرفات نراها من البديهيات .
يجب أن نتعلم من الماضي لا أن نقدسه أو نتعصب ضده , أما النداءات السلفية للعودة الى الماضي فنحن نرفضها لبسبب بسيط ...
العقل البشري قادر على أن يختار القيم والتصرفات التي تتوافق مع واقعه والتراكم المعرفي الذي مر به , وأكبر دليل على ذلك أن إعلان حقوق الإنسان الذى أنهى الرق والعبودية لم يقف وراءه رجال دين ينتمون لديانة معينة ... وقف وراءه رجال ونساء ... يؤمنون بالإنسان .
د. ياسر ضحوي

No comments:

Post a Comment