Saturday, October 1, 2016

إحتضار الأرثوذوكسية

عادة استهل بعض مقالاتي بإهداء , لكن هذه المره أستهل مقالي برسالة الى الإله ...
لا زال القتل مستمراً , وما يزالون يموتون ... بإسم الإله , آخرهم ناهض حتر , الذي اثبت موته أن حياتنا قد تنتهي بكلمة او رسم او بضع نقرات على الحاسوب ... ما زالت تقدم القرابين لك ولا يزالون يقتلون لك , اختلفت الطقوس واختلفت القرابين ... فصار المتقرب اليك مجاهدا ومطبقا لحدودك وشرعك , واصبح القربان هو الكاتب والمفكر والرسام والفنان , وحين انقسم الفسطاطان وقفنا في صف الإنسان ضد اولئك الذين وقفوا في صفك ضد الإنسان ... ليس ضدهم فحسب , بل ضد اولئك الذي يتحركون لإيقاف الكلمة والمقالة والقصيدة والأغنية واللوحة ... ولكنهم لا يحركون ساكناً لإيقاف الرصاصة والقنبلة والقذيفة لا زال القتل مستمراً ... وما يزالون يقتلون لك وبإسمك , قد تبدو معركتنا خاسرة للوهلة الأولى , نحن الذين امسكنا القلم في والريشة في وجه السيف والمسدس والقيد , لكن اسلحتنا هي ما تميزنا عنهم ... فعمر صوت المسدس قصير امام عمر القصيدة والأغنية , وأثر السيف لا يذكر حين يقارن بإثر القلم والريشة ... وهي امانة تاريخية وموقف لا بد أن يتخذه البعض , لينقلوا للقادمين بعدنا أن المقابر ملأى بمن ظنوا انك تحارب معهم ... ان نثبت بالحجة والبرهان انك لست على عرش في السماء تحرك الجيوش لتحتل وتحكم هذا الكوكب الضئيل , بل أنت في عالم الإنسان ... موجود في كل مكان , واننا دفاعا عن الإنسان بإعتباره غاية لا وسيلة حاربنا من يقتلون بإسمك ... كنا نحاربهم , ما زلنا نحاربهم ... وسنظل نحاربهم
هل العلاقة بين الدين والعنف علاقة ضرورية ؟ لماذا اقترن الدين بالعنف في عدة المواضع من التاريخ ؟ ما هي مكانة العقل من الدين ؟ هل السلام مع الآخر جزء من الدين ام نحتاج الى الإصلاح الديني ؟ واذا بدأنا في مسيرة الإصلاح الديني فمن أين نبدأ والى أين ننتهي ؟ هذه الأسئلة وغيرها هي ما سيدور حولها هذا المقال ... وهذا المقال سيكون سياحة في كتاب اللاهوت العربي للأستاذ يوسف زيدان , فبين الشد والجذب بين الأصوليين والتجديديين وبين من يجرمون الدين ومن يبرؤون ساحته وبين من يحنون للماضي وبين من ينادون بمقاطعته نقف بين طرفي نقيض , وتضيع اجابة اهم سؤال على الأطلاق : هل الدين جزء من الإشكال أم جزء من الحل ؟ ستختلف الإجابة بإختلاف تعريفنا للدين وفهمنا له , بإختلاف مصادرنا وقناعاتنا , بإختلاف تحديدنا لدائرة الدين وما يقع داخلها وخارجها , بإختلاف تصورنا للدين واهدافه وعلاقنه بالواقع المعاش وبالفرد وبالجماعة وبالآخر ... في هذا المقال سنستعرض بشكل سريع ومختصر تاريخ الأديان الرسالية , وأعني هنا اليهودية والمسيحية والإسلام ... وتحديدا سنركز على التصور الإلهي والصراع الديني ليس بين هذه الأديان , بل الصراع داخل الدين الواحد بين الأرثوذوكسية بمعنى الدين القويم والهرطقة بمعنى الإيمان المشوب بالمعتقدات الباطلة , وآمل أن نصل في نهاية سردنا الى اجابة لأسئلتنا المذكورة أعلاه واللبيب بالإشارة يفهم . في البداية كان الإنسان في حرب مع الطبيعة , لم يفهم الإنسان الطبيعة لكي يسخرها لمصلحته كما هو الحال الآن ... ثم وجد الإنسان الطمأنينة في الدين بصقته وسيلة للتصالح مع ظواهر الطبيعة , فعبد النسان الأرض كي تنبت والبحر كي لا يغيض ... ثم تحولت عبادة هذه الظواهر الطبيعية الى عبادة رموز تعبر عن الهة تتحكم في الطبيعة لتحقق للإنسان ما عجز عنه , فعبد الإنسان عدداً من الآلهة المختلفة ونسج الأساطير حولها ... فقد مر على الإنسان عصر كانت فكرة تعدد الآلهة مقبولاً جداً بل كان هو السائد والمتعارف , حتى ظهرت الديانات التوحيدية منها عبادة الإله الواحد آتون التي قال بها أخناتون ثم صارت فكره الإله الواحد هي السائدة والمتعارف عليها . اليهودية وسنبدأ بالتصور الإلهي في الديانة اليهودية والصراع اليهودي بين الأرثوذوكسية والهرطقة , والأمر المدهش في الديانة اليهودية هو صورة الإله في العهد القديم ... فالصورة اليهودية للإله مختلفة تماما عن الصورة التي رسمتها الحضارات الإنسانية القديمة للإله , ففي التوراة في سفر الخروج 12:12 في التوراة يأمر الإله موسى وأخاه هارون ومن خلفهما من اليهود ان يذبحوا الخراف ويضعوا علامة على ابواب بيوتهم بدمها (فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة , وأضرب كل بكر في أرض مصر , من الناس والبهائم , وأصنع أحكاما بكل آلهة المصريين , انا الرب , ويكون الدم علامة على البيوت التي انتم فيها , فأرى الدم وأعبر عنكم , فلا تكون عليكم ضربة الهلاك , حين اضرب ارض مصر ) ولا زال اليهود حتى الآن يحتفلون باليوم الذي أهلك الله فيه أهل مصر ! والإله التوراتي ليس محتاجا لعلامة ليميز المؤمنين به او قادرا على ارتكاب الخطأ والسهو بدونها فحسب , بل هو يتخذ صفة الحزن والندم , سفر التكوين 7,5:6 (شر الإنسان قد كثر في الأرض , وأن تصور أفكار قلبه , وإنما هو شرير كل يوم . فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض , وتأسف في قلبه) كما ان الإله التوراتي حقود وثائر وغضوب , تكوين 7:6 (فقال الرب أمحو عن وجه الإنسان الذي خلقته , الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء , لأني حزنت أني عملتهم ... ) والإله التوراتي يندم ويحب رائحة الشواء , تكوين 8:20-21 (وبنى نوح مذبحاً للرب , وأخذ من البهائم ومن كل الطيور الطاهرة , وأصعد محرقات على المذبح , فتنسم الرب رائحة الرضا , وقال الرب في نفسه : لا أعود ألعن الأرض ايضا من أجل الإنسان , لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته , ولا أعود أيضا أميت كل حي كما فعلت ) الإله التوراتي يقلق , تكوين 8:4-1 (وقال الرب الإله : هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا , عارفا الخير والشر , والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة ايضاً , ويأكل ويحيا الى الأبد ... ) وأكبر إشكالية في الإله التوراتي أنه يغدو مغلوبا مستغيثا مستسلما , ففي سفر التكوين يتخذ الله صورة آدمية ويصارع النبي يعقوب ويتصارعان طول الليل حتى يجثم يعقوب فوق الإله وينتزع منه الإعتراف بنبوته ! تكوين 32:29-26 (وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر , فقال لا أطلقك إن لم تباركني . فقال له : ما إسمك ؟ فقال يعقوب . فقال : لا يدعى إسمك فيما بعد يعقوب , بل إسرائيل . لأنك جاهدت مع الله والناس ... ) , ويتعدى الأمر ذلك الى إهانة رسل الإله التوراتي وتصويرهم بأبشع الصور ... ونذكر على سبيل المثال لا الحصر سفر التكوين الإصحاح 19 الآية 36 (فحملت إبنتا لوط من أبيهما ...) إن الصفات المذكورة أعلاه من الحزن والقلق والحقد والجهل والضعف صفات الحقتها التوراة بالإله , بل إن الإله التوراتي عالمه هو الأرض وليس السماء ! فالرب في عدة مواضع من التوراة ينزل الى خيمة إجتماع راكباً سحابة ! كما انه مشغول باليهود ومهتم بهم وحدهم , كأنه ليس خالق كل هذا الكون بل هو قائد رمزي لليهود ولم يخلق هذا الكون للإنسان بل لليهود فحسب . الهرطقة اليهودية وولادة المسيحية ظهرت بقوة في القرن الثاني قبل الميلاد فكرة أن وعد الله لليهود بأن يهبهم الأرض الموعودة لن يتم إلا من خلال مخلص , التكوين 15:18 (لنسلك أعطي هذه الأرض , من نيل مصر الى النهر الكبير , نهر الفرات .. ) وفي ظل تاريخ اليهود الحافل بالقهر والإذلال من أسر بابلي لتدمير الرومان لعاصمتهم وإحترابهم فيما بينهم تقدم عدد من المتحمسن من المغامرين وقطاع الطرق طارحين أنفسهم كمخلصين للشعب اليهودي الذين سيتحقق على ايديهم وعد الرب لليهود ... فكان أحبار اليهود يبحثون عن علامات صدقه وهل هو المخلص الحقيقي أم كاذب مزيف , فكانوا يردون من يدعي انه المخلص بالحسنى أو الإزدراء أو التهديد أو يسلمونه الى السلطة الرومانية ... وهنا كان الإصطدام الأول بين الأرثوذوكسية والهرطقة في الديانات الرسالية , فقد ظهر عدد من المخلصين قبل وبعد المسيح يسوع , كما أن عيسى نفسه لم يطرح نفسه كنبي ديانة جديدة بل كمخلص لليهود , فيقول في إنجيل متى 24:15 (لم أرسل إلا الى خراف بني اسرائيل الضالة) ... ويقول في إنجيل مرقس للمرأة الكنعانية التي لاذت به لشفاء إبنتها (ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين وأن يطرح للكلاب) فالنصوص المنقول عن يسوع تثبت أنه لم يأت بدين جديد بل كان إمتداداً لليهودية ولتصورها للإله , فالإله لا هم له سوى اليهود والإله أرسل مخلصه الى اليهود أبناء الرب خاصة دون العالمين , فيقول في إنجيل متى (هؤلاء الإثنا عشر , أرساهم يسوع أوصاهم قائلا : الى طريق الأمم لا تمضوا , والى مدينة للسامريين لا تدخلوا , بل إذهبوا الى خراف بيت اسرائيل الضالة) فاليهود بصفتهم حماة للدين القويم وقفوا ضد الهرطقة المتمثلة في يسوع الذي ادعى أنه مخلص اليهود , فتأكدوا أنه أمه يهوية وبحثوا عن علامات المخلص فيه ... وفي النهاية تخلصوا منه بأن أسلموه الى السلطة الرومانية وصلب مات او عاد الى السماء حسب وجهة النظر المسيحية ... وهنا حسب إنجيل متى تحولت البشارة من اليهود الى البشرية جمعاء (وأما الأحد عشر تلميذا , فقد إنطلقوا الى الجليل , الى الجبل , حيث أمرهم يسوع . وعندما رأوه سجدوا له , ولكن بعضهم شكوا , فتقدم يسوع وكلمهم قائلا : دفع الي كل سلطان في السماء وعلى الأرض , فإذهبوا وتلمذوا جميع الأمم , وعمدوهم بإسم الأب والإبن والروح القدس) وإنطلاق تلاميذ يسوع يبشرون به ويتحدثون عن معجزاته ويكتبون الأناجيل عنه , وتمايزت الديانة المسيحية عن اليهودية بسبب عدة عوامل أهمها زيارة القديس اوريجين الى روما ولقائه الإمبراطورة التي اثرت على الوعي الروماني وتمييزه بين اليهودية والمسيحية ... فلم تعد المسيحية هرطقة يهودية , بل هي تصحيح لمسار اليهودية وديانة مستقلة بذاتها . المسيحية وعودة الصراع الأرثوهرطوقي أنكرت اليهودية المسيحية وأن يسوع هو المخلص , وإعترفت المسيحية باليهودية وبالعهد القديم رغم كل ما فيه لتثبت شرعيتها وأن وعد المخلص مقصود به يسوع , إلا من بعض المهرطقين مثل مرقيون الذي وصف إله العهد القديم بأنه متناقض وجاهل وقاسي ! وإنتشرت المسيحية وتداخلت مع كل ظروف بيئتها المحيطة من اساطير وفلسفات مختلفة ونزعات تصوفية وإنتشرت أناجيل كثيرة , وبما أن الإيمان القويم بالمسيحية والمسيح في خطر فقد أطلت الأرثوذوكسية برأسها حين تم الإعتراف بالمسيحية كإحدى الديانات الرسمية للإمبراطورية الرومانية . وفي مجمع نيقية 325م إعتمدت الأناجيل الأربعة وملحقاتها من أعمال الرسل , ووضع مجمع نيقية قانون الإيمان ونصه : يسوع المسيح إبن الله الوحيد , المولود من الأب قبل الدهور , نور من نور , إله حق من إله حق , مولود غير مخلوق , مساو للأب في الجوهر , الذي به كان كل شيء , الذي من اجلنا نحن البشر , ومن أجل فلاحنا نزل من السماء , وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء , وتأنس , وصلب عنا في عهد بيلاطس البنطي , وتألم , ودفن , وقام في اليوم الثالث . صحيح أن المسيحية بعهدها الجديد قد قدمت صورة اجمل لإله العهد القديم وتصوراً ارقى للإله إذ أنه إرتفع من الأرض الى السماء بدل أن كان يدخل الخيمة ويمشي في الطرقات مهلكاً المصريين كما أخبرنا التوراة ولكن بالمقابل فإن الهرطقة التي عانت منها المسيحية لم تكن حول من هو المخلص كما هو في اليهودية ... بل كانت حول طبيعة المسيح وآدميته وألوهيته . فقد ظهرت هرطقات مسيحية بسبب إختلاف صورة يسوع في الأذهان ... بين من يراه إلهاً ومن يراه رسولاً وبين من يراه حالة كائن متأله وصل الى الحقائق العليا ويمكن الإقتداء به , وبما أن الأرثوذوكسية التى لا تعرف الا العنف في تعاملها مع الهرطقة وكما سلم اليهود يسوع الى قاتليه فقد تشكلت في 331م لجنة دينية دنيوية (كنسية, إمبراطورية) لتفتيش وإعدام كل الأناجيل غير المعتمدة . وكما تداخل الدين والعنف في قتل يسوع هنا تداخل الدين مع السياسة والعنف لفرض الدين القويم بقوة الدولة الثيوقراطية . ولكن إعدام الأناجيل الغير معتمدة من السلطة الدينية لم يكن كافيا لوضع حد للهرطقة والمهرطقين , فقد ظهر عدد كبير من الهرطقات المسيحية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ... الإبيونية وهي جماعة يهودية الأصل آمنت بالمسيح ولكنهم يؤمنون أنه محض نبي من الأنبياء وولد بدون أي معجزات بتولية وهذا ما يعد هرطقة من وجهة النظر الأرثوذوكسية وقد قال عنهم القديس جيروم في رسالة الى القديس اوغسطين انهم ليسوا مسيحيين ... رغم إيمانهم بالإله وإختلافهم فقط في طبيعة المسيح مع بقاء إيمانهم وإتباعهم لرسالته إلا أن هذا لم يمنع الأرثوذوكسيين من تكفيرهم . ونذكر ايضا بولس السمسياطي أسقف أنطاكية الذي كان يؤمن بأن يسوع بشر مخلوق كباقي الخلائق ولا ألوهية له وأدى ذلك الى عزله ونفيه وإستبداله بأساقفة أرثوذوكس بعد إنهيار إمبراطورية تدمر , أريوس وكان قسا سكندريا وهرطقة أريوس بإختصار أن الأب لم يكن أباً الا بعد أن خلق الإبن , لذا فالإبن حادث وليس أزلياً كالأب , وبالتالي لا يتساولا مع الأب في الجوهر ... إذن هو مخلوق , وكانت النتيجة هي حرب شعواء على آريوس وأفكاره إنتهت بعزله ونفيه بقرار من مجمع نيقية , ثم تمت دعوته في منفاه الى القسطنطينية للتوفيق بينه وبين القسيس البيزنطي , ولكنه مات فجأة على حدود القسطنطينية ويحكى أنه قتل مسموماً . اما نسطور الذي كان راهباً بدير قرب أنطاكية فبعد أن ترقى كنسيا الى الى كرسي الأسقفية بعاصمة الإمبراطورية فقد عمم منشوراً يمنع تسمية مريم بأم الإله لأن الإنسان لا يمكن أن يلد إلهاً , كما انه تسائل أن الإله واهب الحياة إن مات , فمن سيهبه الحياة ؟ وأدت اراء نسطور الى إثارة حفيظة كنيسة الإسكندرية بقيادة الأسقف السكندري كيرلس ... وإنتهى الصراع بين نسطور وكيرلس الى عزل نسطور ونفيه الى صحراء البتراء وقيل الى الصحراء المصرية حيث مات مغموراً ... والطريف أن نسطور لم يكن يرى نفسه مهرطقا بل ذو إيمان قويم , إذ قال في عظته الأولى للإمبراطور : أعطني الأرض خالية من المهرطقين أساعدك في حربك ضد الفرس . وهذا يدل على أن مقياس الأرثوذوكسية لم يكن المحاججة بالعقل والمنطق , بل أن تحظى بدعم الدولة الثيوقراطية وإعترافها بك هو ما يجعل إيمانك قويما خاليا من البدع ويعطيك الحق في قهر اعدائك بصفتهم اعداء الإيمان القويم والتنكيل بهم . واستمر الصراع والتمزق بين الكنائس حتى صارت بعض الطوائف تساعد اعداء الإمبراطورية المختلفين عنهم دينيا بسبب الصراع الكنسي بين المسيحيين ابناء الديانة الواحدة والكنائس المختلفة , وحاول هرقل بعد إنتصاره على الفرس وإعادته للصليب المقدس الى موضعه في أورشليم أن ينشر مذهبا جديدا ينهي به صراع الكنائس ويوحدها ... ومذهب هرقل بقول بوحدانية الإله والإرادة , وبالتالي بالجبرية المطلقة ومحدودية حرية الإنسان ... ولكن قوبل مذهب هرقل الجديد بالرفض والثورة مما أدى الى سقوط اورشليم في أيدي المسلمين بعد عقد من الزمان , وبعد أقل من عشرين عاما وقف عمرو بن العاص على اسوار الإسكندرية العاصمة المصرية وقال : والله لئن ملكتها لأجعلنها مثل بيت الزانية ... أي خربة الأسوار , ونلاحظ من ما سبق أن من تم التنكيل بهم بتهمة الهرطقة لم يكن لهم هدف الى إعزاز الإله ورفعه وإبعاده عن المخلوقات , فلم يرض احدهم ان مخلوقا يلد الها وأن الإله ترضعه أمه وتنظفه ويجوع ويتألم ويموت ... ففي إنجيل متى يسأل يسوع تلاميذه (من يقول الناس أني أنا إبن الإنسان 14 فقالوا : قوم : يوحنا المعمدان , وآخرون : إيليا , وآخرون : إرميا أو واحد من الأنبياء 15 قال لهم : وأنتم : ماذا تقولون لأني أنا 16 فأجاب سمعان بن بطرس : أنت هو المسيح إبن الله الحي 17 فأجاب يسوع وقال له : طوبى لك يا سمعان بن يونا , إن لحما ودما لم يعلن لك , لكن أبي الذي في السماوات ) فالمسيح ذاته لم يكفر او يلعن من قالوا أنه نبي , ولكنه في ذات الوقت لم يفصح برد قاطع عن طبيعته , وهذه هي البذرة التي نبت منها جدل الصراع الأرثوهرطوقي الذي تداخل مع العنف في القرارات الكنسية ومع السياسة الذى ادى الى سقوط اورشليم والإسكندرية ... وها نحن الآن بعد كل هذا التناحر الكنسي ندخل عصر الإسلام ونزول القرآن ... الحل القرآني وحتمية الصراع انكرت المسيحية الإسلام كما أنكرت اليهودية المسيحية , وإعترف الإسلام بالمسيحية واليهودية ليستمد شرعيته كتصحيح للإنحراف فيهما , تجاوز الإسلام إشكال العهد القديم بأن أنكره وإتهمه بالتحريف , كما أن النص القرآني قدم صورة ارقى للإله وللرسل على عكس النص التوراتي ... كما أن القرآن قد أتى برد حاسم بخصوص طبيعة المسيح الآدمية وأنه ولد بمعجزة ولكنه يظل آدمياً لا ألوهية له , والأهم أن المفهوم الإسلامي للإله الغى صورة الإله الملتصق بالأرض ورفعه كلية الى السماء ... فالإله لا يمتطي غيمة ولا يدخل خيمة ولا يمشي في طرقات مصر ولم يتجسد في إنسان ولم يصلب ولم يقتل ... فالإله الإسلامي مكانه في السماء وبشرية النبي محمد تم التأكيد عليها مراراً وتكراراً في النص القرآني وفيما نقل عن محمد , إذن النص القرآني والإسلام كان إنقلاباً مفاهيمياً بكل المقاييس وتجاوزاً للإشكالات التي وقعت فيها اليهودية والمسيحية ... ولكن هذا لم يحم المسلمين من الوقوع في براثن الصراع الإرثوهرطوقي . والصراع بين الأرثوذوكسية والهرطقة في الإسلام يظهر جليا في المذاهب الكلامية ومن أهمها المعتزلة والأشاعرة , وسنضرب عدداً من الأمثلة عن المتكلمين وهرطقاتهم ... تسمية المعتزلة ينسبها البعض الى أنهم سموا أنفسهم بذلك لأنهم إعتزلوا الباطل وإلتزموا الحق , ويقال بأنهم سموا بهذا الإسم بسبب حادثة في مجلس الحسن البصري , إذ دخل أحدهم فسأل الإمام عن من يكفرون مرتكب الكبيرة , فأجابه تلميذ إسمه الواصل إبن عطاء أن مرتكب الكبيرة ليس بمسلم ولا بكافر بل هو بين منزلتين ... ثم جلس في إحدى إسطوانات المسجد وإلتف حوله الناس فقال الحسن : إعتزلنا واصل وأصحابه . معبد الجهني , عاش في البصرة وكان عالماً صدوقاً في رواية الأحاديث , شهد التحكيم بين علي ومعاوية وحارب ضد الحجاج بن يوسف الثقفي , تدور هرطقته على نفي القدر الذي حاول الأمويون فرضه بالقوة ... وكان هدف الأمويين من نشر الجبرية وأنه لا إختيار للإنسان وإنما هو قضاء الله الناجز هو لخلق شرعية ومبرر مقدس للجرائم التي إرتكبها الأمويون .وسمي مذهب معبد بالقدرية وتم إبتداع حديث شريف نسبوه الى الرسول يقول : القدرية مجوس هذه الأمة . ولا أعلم كيف يصف الرسول مذهباً فكرياً نشأ بعد وفاته إلا أنه محاولة للطعن فيهم وإبتداع دليل لمحاربة هرطقتهم . ويظهر لنا هنا الصراع بين مفهوم الجبرية والحرية الذي ظهر مع مذهب هرقل الموثيليني تكرر مرة أخرى في الإسلام مع طائفة القدرية التي تؤكد على حرية الإنسان ومسؤوليته عن خياراته , ومات معبد الجهمي مصلوباً بعد أن اذاقه الحجاج أصناف العذاب . غيلان الدمشقي , كان قبطياً فأسلم وكان تقياً صالحاً ورعاً , وكان غيلان أيضاً ينادي بحرية الإنسان ... الفكر الذي صار مذهباً معتزلياً يرد على الجبرية بالردود العقلية والنقلية , رفض عمر بن عبد العزيز اراء غيلان وأمره بعدم ترديدها وقتل غيلان على يد هشام بن عبد الملك ’ حيث قطع الخليفة هشام يد غيلان ورجله , ثم مر الخليفة أمام بيته وكان غيلان جالسا والذباب حول يده المقطوعة ... فقال هشام لغيلان ساخراً : هذا قضاء وقدر ! فرد غيلان : كذبت , ما هو قضاء ولا قدر ... فحملوه وصلبوه على باب دمشق الجعد بن درهم , عاش في الشام وكان مؤدبا لأبناء الخلفاء , تدور هرطقته حول فكرة أن الذات الإلهية منزهة عن صفات الحدوث مثل الكلام أو إتخاذ الخليل ... وبما أن الهرطقة لها عدة اسماء في الإسلام مثل الزندقة والبدعة والكفر فقد تمت زندقته لأنه أنكر آيات صريحة في القرآن , ولكن المعتزلة لم ينكروا الآيات بل قالوا أن لها تأويلاً آخر مثل إستوى على العرش ويد الله فوق أيديهم ... وهذه الفكرة هي التي بدأت قضية خلق القرآن , فالقرآن حادث وليس أزلياً كما الإله , وإذا قلنا أن كل ما خلا الله مخلوق وأن القرآن ليس هو الله إذن القرآن مخلوق ... إذن القرآن تاريخي ! وكانت هذه المقولة سبب صراع كبير بين السنة والمعتزلة , وهذا يذكرنا بالهرطقات المسيحية التي أكدت على خلق المسيح وعدم ألوهيته بحجة أنه حادث وليس أزلياً , وقتل الجعد على يد الأمير خالد بن عبد الله القسري , فأتوا بالجعد مقيداً تحت المنبر بجامع في العراق والأمير يخطب خطبة العيد , وبعد أن إنتهى قال للمصلين إرجعوا فضحوا فإني مضح بالجعد بن درهم ... فإستل سكينا وذبحه في المسجد والناس ينظرون الجهم بن صفوان , وهو من مؤسسي الإعتزال وتنسب اليه فرقة الجهمية أو المعطلة وهؤلاء ينكرون بعض صفات الإله عنه من باب التنزيه وفي النهاية قتله الأمير سلم بن أحوز بأصبهان , وهذا يذكرنا بالهرطقة المسيحية التي رفضت تسمية مريم بأم الإله ونزهت الإله عن الموت الذي هو جزء رئيسي من الأرثوذوكسية المسيحية . وتستمر الهرطقة ... وإذا كن الصراع الأرثوهرطوقي المسيحي عن طبيعة المسيح فإن الصراع الأرثوهرطوقي الإسلامي كان عن طبيعة الإله وصفاته , وظهر هذا حين تأثر المسلمون بالفلسفة وحاولوا فهم النص القرآني ... ففي الآيات التي تتحدث عن صفات الذات الإلهية مثل (يد الله فوق أيديهم) و (الرحمن على العرش إستوى) و (فإنك بأعيننا) إنقسم أغلب المسلمين الى تيارين , المفوضة والمأولة ... أما المفوضة فكان موقفها لا أدريا وفوضت معنى هذه الآيات الى الله , أما المأولة فقد أولوا هذه الآيات وفسروها بمعاني تليق بالذات الإلهية ... فلا يمكن أن يكون لله يد أو عين أو كرسي يحويه , فيده توفيقه وتأييده وعينه حمايته ورعايته وكرسيه هو ملكه , الى هذه اللحظة في هذه القضية بعينها لم يكن هناك أي أرثوذوكسية أو طائفة إدعت أن فهمها هو القويم أو إتهمت الأخرى بالهرطقة . الى أن ظهر ابن تيمية وطائفة المجسمة , وهؤلاء جسموا الإله وتمسكوا بالفهم الظاهري للنص , فلو قال الله عن نفسه أن له عيناً أو يداً أو كرسياً فإنه له كل هذه الأشياء ... ووقف إبن تيمية بصفته حامي حمى الدين القويم بسلاح التكفير ضد المهرطقين , من الطرائف التي قرأتها على موقع تويتر أن احد الشيوخ كتب تغريدة يقول فيها : ينزل الله الى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فأكثروا من الدعاء والإستغفار , فرد احد المغردين عليه وسأله : بتوقيت أي دولة يا شيخنا ؟! إن المأزق الذي لن يخرج من الدين من منظور ارثوذوكسي انه يطرح نفسه كحقيقة قاطعة ومطلقة وإجابة شاملة , ومهما كانت الإجابات فهي دائما محدودة ونسبية ... ولكن الاسئلة هي التي لا تنتهي ان الدين حين يستقر في الأذهان ويلامس الواقع فإنه سيتأثر لا محالة , فحين صعدنا الى الفضاء وإكتشفنا أن الأرض كروية ووعينا فروق التوقيت وأن الليل يختلف من مكان لآخر ... كيف يتنزل الإله في الثلث الأخير من الليل ؟ إذا كان الإله على كرسي وداخل عرش ويتنزل بين السماوات ... هذا يعني أن الإله له أبعاد وأن الكون يحتوي هذا الإله ... هل يليق هذا بإله نصفه بأنه أكبر وأن كل هذا الكون لا يساوي جناح بعوضة في ملكه ؟! اذا ارتكب المسلم الكبائر وأفظع الجرائم هل يدخل الجنة بالشهادتين فقط ؟ هل هذا عدل من الإله أم أنه يكون في منزلة بين المسلم والكافر كما قال المعتزلة ؟ إذا كانت مريم قد ولدت عيسى فكيف يلد الإنسان الإله ؟ إن تأثر الإنسان بالفلسفة والعلوم وطرحه للأسئلة كان وما زال المحرك الأول للهرطقة , وها هي البهائية تعترف بالإسلام وينكرها الإسلام كهرطقة جديدة تحولت الى ديانة مستقلة كما حدث بين اليهودية والمسيحية ... فإذا كانت جدلية الصراع بين الأرثوذوكسية والهرطقة بين الأديان أو داخل الدين الواحد هو سبب كل الحروب والجرائم بإسم الدين , إذن ما هو الحل ؟ نحو تصور لاهوتي جديد إن اللذين قالوا إن الدين ليس محركاً للعنف وأن الحروب كانت تحاول استمداد شرعيتها وقدسيتها من الدين قد جانبوا الصواب , فالدين كتفسير للعالم وعلاقة بينك وبين الإله وكدافع أخلاقي في تعاملك مع الطبيعة والآخر لا ضرر منه ... مأساة الدين التي تجعل العنف هو الوجه الثاني له هي الأرثوذوكسية , فالنقاش في شأن لاهوتي بين طرفين قد لا يؤدي الى إقتناع أحد الأطراف ويبقى الإختلاف ... فالدين ليس معادلة رياضية أو تجربة مخبرية , فكل منا له قناعته وقد يقبلها الآخر أو يرفضها ... وكل منا يرى أن إيمانه هو الإيمان القويم والبعض قد يكون متسامحا مع الفهم الآخر للدين أو الأديان المختلفة , ولكن الأرثوذوكسية هي فرض الإيمان القويم بالقوة . ان الأرثوذوكسية ليست مجرد الفهم القويم للدين الخالي من البدع , فلا يوجد مقياس متفق عليه لنحتكم اليه , وفي الأمثلة السابقة التي إستعرضناها في المقال فإن من سموا مهرطقين لم يكن دافعهم نشر بدعة ... بل على العكس , كانت اهدافهمه دائماً تنزيه الإله وعقلنة الدين ... هؤلاء المهرطقون كانوا ارثوذوكسيين من منظورهم الخاص ... السبب الذي جعلهم مهرطقين ومضطهدين على مر تاريخ الأديان هو أن الأرثوذوكسي من وجهة نظر تاريخية هو من بجانبه القوة والسلطة وليس الصواب والحجة . تخيل معي لو أن المعتزلة كانوا هم المذهب الذي نشرته الخلافة ودرسته وعاقبت مخالفيه ؟ تخيل لو اتفقت الكنائس على آدمية يسوع ؟ تخيل لو قبل اليهود يسوع كمخلص لهم ؟ هل يمكنك أن تتصور حجم التغيير الذي سيحدث إذا تغيرت هذه الأحداث المفصلية في تاريخ الأديان ؟! إذن ما هو الحل ؟ الحل هو في تصور لاهوتي جديد ... إن النص التوراتي لم يؤسس الديانة اليهودية فحسب بل كان إنقلابا مفاهيميا وقيميا على الإنسانية , فالديانة اليهودية فضلت اليهوديين وإحتقرت باقي الأمم وصورت الإله بأنه لا هم له إلا اليهود ... بل جعلت اليهودية الربا مع غير اليهودي حلالا وجعلت القتل بإسم الله حلالاً ! وها هم المسلمون يوم يرون أنفسهم أنهم خير الأمم وأن كل الأرض هي ملك لله وبالتالي ملك لهم بعكس أرض المعاد المحدودة التي يدعي اليهود إمتلاكها . ولنعكس هذه التصورات على الأزمة الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر , لماذا نحن ضد اسرائيل ؟ ليس بسبب إجرامها لأنها لو توقفت عن القصف سنظل نعاديها لأنها كيان محتل ... إذن من يملك هذه الأرض ؟ من هو المحتل ومن هو صاحب الحق ؟ هل يحق للمصريين أن يطردوا المسلمين المحتلين ؟ هل يحق لنا كسودانيين طرد العرب المحتلين ؟ إن اسرائيل بإختصار هي دولة دينية كداعش تماما , الفرق الذي يجعل العالم الذي نعيشه اليوم متسامحا مع اسرائيل متشددا مع داعش ان اسرائيل مفيدة للعالم بصفتها منارة البحث العلمي على عكس داعش , نحن نرفض أن تقوم دولة دينية يهودية على ارض المعاد لأننا نريد إقامة الخلافة على كوكب الأرض ... نحن لسنا ضد الحكم الديني , نحن مع حكم ديننا فقط ... نحن لسنا ضد تفضيل إنسان على إنسان , نحن مع تفضيلنا نحن فقط ... اجيال من شباب واطفال الفلسطينيين والإسرائليين على موعد مع حرب مقدسة لا شأن لهم بها , بسبب أساطير تملأ بها رؤوسهم منذ الصغر بأن الله معهم وضد اعدائهم وأن لهم صكاً إلهياً وحقاً مقدساً فيها . التوراة سفر التثنية الإصحاح السابع 7 :1 متى اتى بك الرب الهك الى الارض التي انت داخل اليها لتمتلكها و طرد شعوبا كثيرة من امامك الحثيين و الجرجاشيين و الاموريين و الكنعانيين و الفرزيين و الحويين و اليبوسيين سبع شعوب اكثر و اعظم منك 7 :2 و دفعهم الرب الهك امامك و ضربتهم فانك تحرمهم لا تقطع لهم عهدا و لا تشفق عليهم 7 :3 و لا تصاهرهم بنتك لا تعطي لابنه و بنته لا تاخذ لابنك 7 :4 لانه يرد ابنك من ورائي فيعبد الهة اخرى فيحمى غضب الرب عليكم و يهلككم سريعا 7 :5 و لكن هكذا تفعلون بهم تهدمون مذابحهم و تكسرون انصابهم و تقطعون سواريهم و تحرقون تماثيلهم بالنار 7 :6 لانك انت شعب مقدس للرب الهك اياك قد اختار الرب الهك لتكون له شعبا اخص من جميع الشعوب الذين على وجه الارض إن أصحاب ارض كنعان الحقيقيين هم هذه الشعوب التي تم غزوها بإذن إلهي , الأرض ملك لمن يعمرها ويستفيد منها ويفيد الآخرين ... والحكم القائم على ارض ما يحدده ساكنوها دون وصاية من أحد , فدور العبادة ملك للمتعبدين والأرض ملك للجميع والحاكم ليس نائباً عن الإله ... على هذه الأرض هناك عرق واحد , هو العرق البشري , ودين واحد , هو الإنسانية ... هذه المفاهيم لا يمكن إنزالها على أرض الواقع مع التصورات اللاهوتية القائمة حالياً إن التاريخ المختصر جدا الذي ذكرناه في هذا المقال يوضح بطلان شعار : العودة الى الدين هي الحل أو العودة الى صحيح الدين , فلا يرى التشابه بين بطش الكنيسة والتنكيل بالمتكلمين في الإسلام الى أعمى ... ولا مكان للحجة الواهية بأن هؤلاء لا يمثلون الإسلام , فيمكن لمسيحي أن يقول أن تلك الكنائس لا تمثل المسيحية ... إن اليهود والمسيحيين والمسلمين الذين ارتكبوا ويرتكبون هذه الفظائع بغض النظر عن رأيك في تمثيلهم لمعتقداتهم فهم يمثلون الأرثوذوكسية ... يمثلون الفهم الديني الذي يدعي القوامة والأحقية لفرضه بالعنف , هذا هو الإرهاب أي كان الدين الذي خلفه وهذا هو أكبر تحدي تواجهه العلمانية والإصلاح الديني , فلا يمكن الحديث عن العلمانية وفصل الدين عن السياسة والدين بفهمه الحالي يقحم نفسه في كل الشؤون ومنها الشأن السياسي . اليهود نظروا الى مخلصهم بأنه ملك سيجلب لهم أرض المعاد , والمسلمون يتباكون على خلافة تنشر الدين (الأرثوذوكسي) وتدافع عنه وتحكم أرض الله بشرع الله , ولولا إنتقال الإسلام من نسخته المكية الى المدنية لما قامت له دولة ... حان الوقت أن نصل الى فهم وتصور لاهوتي جديد , لا يجعل الإله يفضل شعبأ على شعب أو يقف مع فريق ضد فريق ... تصور يجعل التعامل مع الإنسان كغاية لا كوسيلة , كأخ في الإنسانية والكوكب لا عدواً في الدين والعقيدة , اذا كانت الطائفية هي التنازع بين المذاهب داخل الدين الواحد فإن مأساة البشرية هي الطائفية الكبرى أو الدينوية ... وهي صراع الأديان داخل الوطن الواحد أو على الكوكب الواحد , واذا كان الطائفي لا يؤنسن المختلف معه حتى لو كان من نفس لديانة ويراه عدواً , كذلك الأرثوذوكسي ... لا يرى مخالفه في الدين إنساناً بل يراه عدواً له وللإله ... والتصور اللاهوتي أو الإصلاح الديني الذي نحتاج اليه لن يأتي باللف والدوران حول النصوص أو إستخدام أدوات قديمة لإنتاج مفاهيم جديدة . إن كلمة هرطقة هي ذات اصل يوناني تعني يختار أويغضل , وكانت ذات معاني غير سلبية مثل الإختيار والطائفة والحزب والجماعة الدينية أو المدرسة الفكرية , ولم تكتسب المعنى السلبي المقترن بالبدعة والضلالة إلا بعد بدأ الأرثوذوكسيين يهاجمون من خالفهم ... إن الهرطقة بمعنى التفكير الجديد والحر لن تتوقف لأن معرفة الإنسان وتساؤلاته لن تتوقف , إن السلام الذي يعيشه المسيحيين الآن لم يأت بسبب التصالح بين الأرثوذوكسيين والمهرطقين , فكل منهم يرى أنه على حق وصاحب الفهم القويم للدين ... ولكن العلمانية قد قلمت أظافر الكنيسة ولم يعد أحد يفرض فهمه بالقوة على الآخر . والأرثوذوكسية تحتضر الآن في عصر حرية الإعتقاد وتبادل الأفكار , والدعاوى التي نراها الآن من إقامة دولة الخلافة هي لإعادة الدولة الثيوقراطية التي تكسب الأرثوذوكسية القوة اللازمة لتضطهد غيرها وتنكل بأعداءها , وكما تطور مفهوم الدين من عبادة ظواهر طبيعية الى آلهة متعددة الى إله واحد ... أتمنى أن تتطور الأديان مرة أخرى وتنتج مفاهيم تتسع لنا جميعا على سطح هذا الكوكب وينتهي عصر الأرثوذوكسية والتمييز الديني الى الأبد .
وإذا كانت الهرطقة هي التفكير الجديد والحر دون فرض على الآخر , فرسالتي لكل البشر ... كونوا مهرطقين

No comments:

Post a Comment