Sunday, July 22, 2018

أزمة منتصف العمر

ما هي اللحظات الفارقة التي عشتها في حياتك ؟

بالنسبة لي هي لحظات معدودة لم يعد شيء بعدها كما كان , أهمها وآخرها كان قبل عدة أيام ... عندما إنتزعت أحد اضراسي المهترئة بيدي أمام المرآة , نهاية متوقعة لذلك الضرس الذي عاش يعاني لأنه وجد في في فم شخص محب للحلويات ولعدة عادات مضرة بالصحة ... وسواء كان مصير هذا الضرس هو سلة النفايات أوأن يتحلل مع قومه في قبري فالنهاية واحدة ... الفناء .


بعد نزاعي مع الضرس الفقيد لأسكت إحتجاجاته المستمرة نظرت في المرآة نظرة طويلة , نظرت لنفسي كأني أراني لأول مرة ... إستمعت لما قالته لي المرآة بإنتباه لأول مرة في حياتي ... كانت المرآة تتكلم معي طوال حياتي , لكن لم أستمع لها يوماً ... كنت دائما على عجلة من أمري ولم أكن أطيق طريقتها في الحديث ... كانت دائما تتحدث ببطء شديد , بعجرفة وبصراحة فجة ... كم تجاهلتها وكم كذبتها ... وها أنا الآن أقف أمامها والدم يسيل من لثتي كطفل يقول له والداه : ألم نقل لك ؟!

لم يكن هناك مفر من أن أستمع الى شماتتها والحقائق المريرة التي كانت تراودني سنيناً لأعيها , ذلك الشعر الأبيض الذي بدأ ينمو في لحيتي ... طبقات الدهون التي بدأت تتراكم حول خصري ... الآلام التي بدأت أعانيها في ظهري وركبتي اليمنى ... النظارة التي صارت جزءاً من ملامحي بعد أن تناسيت لماذا صرت أحتاجها ... معدتي التي كانت تهضم الفولاذ صارت الآن تستغيث من الأرتجاع الحمضي ... والدم الذي يسيل من فمي الآن ...

يبدو أن الأخطاء التي نتجت من إستنساخ حمضي النووي صارت أكبر من أن أتجاهلها , كأنك تنسخ صورة بآلة تصوير عتيقة ... ثم تستنسخ النسخة ... ثم تستنسخ النسخة الجديدة ... بعد تكرار هذه العملية مرات عديدة ستجد نسخة لا علاقة لها بالأصل ! ستنكر الصورة الأصلية أي علاقة دم تربطها بهذه الصورة المسخ ... تماماً كما أنكرت صورة الرجل المهتريء الذي رأيته في المرآة .

وعندما سألت المرآة من هذا ؟ ماذا فعل بي الزمن ؟ تبادر الى ذهني سؤال أكبر وأكثر عمقاً وأخافني أكثر ... من أنا ؟!

ما الذي يجعلني أنا ؟ ما هو جوهري ؟ ما هو الشيء الذي إذا فقدته سأفقد ذاتي ؟ بالتأكيد فقدي لأسناني أو أي عضو من هذه الأعضاء المهترئة فهذا لن يجعلني شخصاً آخر , حتى لو إستبدل قلبي بمضخة سأظل نفس الشخص ... ماذا يميزني إذن ؟ هل هو النشاط الكهربائي في دماغي ؟ هل لو أصبت بموت دماغي في غرفة الإنعاش هذا يعني أنني لم أعد أنا ؟ هل يحق لأهلي ومن أحبوني أن يتعلقوا بي ويبكوا علي هذا الجسد ؟ هل هي أفكاري أو مشاعري ؟ هل هو تاريخي ؟ هل هناك جزء في داخلي سيبقى بعد فناء هذا الجسد ؟ هل هناك قبطان سينجو بعد غرق السفينة أم أن نهاية السفينة تعني نهاية كل شيء ؟

من أي لحظة أبدأ حساب عمري وبدأ الإحساس بالنهاية يكبر داخلي يوماً بعد يوم ؟ متى تشكلت شخصيتي ووعيي وصرت أنا ما أنا عليه اليوم ؟ هل مع أول كتاب قرأته وغيرني أم مع آخر كتاب قرأته وغيرني ؟ أنا الآن في الثانية والثلاثين من عمري ... فلو كنت سأعيش سبعين عاماً هذا يعني أن نصف عمري قد إنقضى ! كل من عرف الموت حقاً يعلم أن الموت ليس عادلاً ... فلا عدل في أن يموت الأطفال الأبرياء أو الطيبون ويعيش الطواغيت اعماراً أطول من أن يتحملها المظلومون , هل من العدل أن يموت الملايين بالأوبئة قبل إكتشاف التطعيمات ؟ أو بالأمراض قبل إكتشاف علاجها ؟ إن لم تفتك بك الحوادث أو الكوارث الطبيعية أو الحروب فإن السقف المعرفي والتطور العلمي والتكنولوجي للبشرية سيكون عاملاً مهماً في طول عمرك أو قصره ... فمعدل أعمار البشرية تقدم بشكل كبير مع التطور العلمي وها هم البشر يبحثون عن كواكب أخرى لإهلاكها بعد أن يفنى هذا الكوكب أو تنفجر الشمس وتتحول الى ثقب أسود سيبتلع هذا الكوكب وما عليه .

وفي خضم هذا الصراع المحموم لخداع الموت والبحث عن الخلود سواء بمحاربة الأمراض أو البحث عن الكواكب أو إنجاب الأطفال يتبادر الي سؤال ... لماذا نسعى للخلود ؟ الحقيقة التي نعيشها الآن هي أنك ستموت مهما طال عمرك ... ماذا ستسفيد لو أنجبت أطفالاً ؟ ماذا سيختلف معك كفرد لو أستمرت البشرية لملايين السنين أو إنقرضت بعد موتك ؟ لقد لاقيت نهايتك ... أو ستلاقيها ... فإسترح

اسوأ إحساس من وجهة نظري هو الندم , إحساس عديم الفائدة يتآكلك لسبب لا تستطيع تغييره , وهذ الإحساس يزداد كلما شعرت أن الزمن يضيق بك ... في الماضي كنت أشعر بالندم على الدوام ... على اخطاء أرتكبتها وأخرى لم أرتكبها ...على صديق خسرته ... على حبيبه لم أكن لها كما تستحق ... على كتب لم اقرأها ... على عادات لم أغيرها ... على ضحكات لم أضحكها وعلى مواقف وقفتها أو لم أقفها ...

ولكن بعد حديثي مع المرآة لأول مرة شعرت أن الندم في داخلي يتضاءل , لأول مرة تصالحت مع نفسي ... هذه الأخطاء ... هذه المواقف ... هذا هو تاريخي وأرثي ... كل هذا هو ما جعلني ما أنا عليه اليوم

ربما كان للندم فوائد , ربما أستثمر ما بقي لي على هذا الكوكب بشكل أكثر حكمة , ساقرأ أكبر عدد من الكتب وسأضحك قدر المستطاع ... سأصادق وأحب وأعشق ... سأسافر وأرى العالم وسأخوض أكبر عدد من التجارب قدر المستطاع

هذه رسالتي لنفسي

أما رسالتي لكل من عرفني يوماً : إذا كنت يوماً ما سبباً في تثقيفك أو سعادتك , أو ضحكك أو حتى إبتسامتك فأشكرك جزيل الشكر لأنك شرفتني بأن أكون جزءا من تاريخك وذكرياتك الجميلة

وأما إن كنت سبباً في حزنك أو تعاستك  فإعتذاراتي الصادقة لك , وأرجوا أن تتناساني ... فالعمر أقصر من أن تحزن بسببي أو لأي سبب آخر .

تحياتي

No comments:

Post a Comment