Friday, March 30, 2018

نضال غريبي , يالسخرية القدر وعبثية الوجود !

تحياتي نضال ... ولك من إسمك نصيب أيها المناضل الغريب , تحية طيبة من غريب مثلك لم يجد مكاناً ينتمي إليه , أكتب لك هذه الرسالة بعد أن وصلني خبر أنك أنهيت حياتك وتركت هذه الحياة البشعة , شجاعة أحسدك عليها ... أعلم أن رسالتي لن تصلك ولكن ربما أكتبها لنفسي وأنا أخاطبك , كلام أحب أن أكتبه لك بعيداً عن الأغبياء الذين يرون أن قتل الآخر جريمة تغتفر ولكن قتل نفسك جريمة لا تغتفر ! القاتل قد يدخل الجنة ليتنعم بخمر ونساء بينما المنتحر لا خمر له ولا نساء ... ولكن لست قلقاً , فأمثالنا لا تغريهم خمور لا تسكر ونساء لا تحيض ولا تلد ولا تقرأ ولا تكتب ولا تدخن ولا تشرب القهوة ولا تجيد شيئاً إلا إحتراف الجنس .
لم يخالجني شعور كهذا وحوجة ماسة لكتابة رسالة الى منتحر إلا لفتاة إنتحرت , تناسيت إسمها عمداً كي لا أزور صفحتها على الفيسبوك التي أصبحت مزاراً كما ستصبح صفحتك وكتاباتك مزاراً بعد موتك ... قبل موتها كتبت عن معاناتها والضرب المبرح الذي تعانيه على يد أخيها الأكبر , كانت جميلة جداً بكل ما تعانيه من ألم , إبحث عنها في الجحيم الذي حاكمونا به وبلغها تحياتي ... ولو أنني أظن وأحياناً أتمنى أن تجدا الراحة في العدم .
لم تكن يوماً صديقي ولم أعرفك يوماً , أحد الخسائر الفادحة التي أضيفها الى حائط بطولاتي التي لم ولن تنتهي . أكثر ما إستفزني أنني عندما قرأت كتاباتك التي حاولت جاهداً في حياتك أن تشرح فيها أفكارك ومواقفك وقناعاتك ودهاليز عقلك المعقدة أنني شعرت أنك قريب جداً مني ... يبدو أن حالتي معقدة جداً وأن مصادقة الأموات هي خياري الوحيد بعد فشلي مع الأحياء .
ربما كنت تبحث عن من يفهمك , والمضحك المبكي أنني أفهمك تماماً ... ولكن للأسف لا أستطيع تبشيرك أنك وجدت ما تبحث عنه , فأنا لا أجيد لغة الأموات ...
كنت تحب بعنف وقوة مثلي , لكن أنا وأنت نتحدث بلغة لا يفهمونها ... نفكر بأفكار قد قنلوها ... أهملوها ... حرموها ... كفروها ... احرقوا كتبها وأعدموا فلاسفتها ... اسوأ أنواع الوحدة هو حين يحاصرك المحبين عاجزين ... كمن يشاهد طفلاً يحتضر بلا حيلة ... اسوأ المشاكل هي التي لا نراها ... اسوأ المآسي هي التي لا نستطيع وصفها ... اسوأ الكوابيس هي الأحلام التي لن تتحقق ... اسوأ حياة هي التي لا نختارها ونعيشها مضطرين ... ألد اعداءنا هي ذواتنا الواعية ...
ربما في واقع أجمل تشاركنا فنجان قهوة وقلنا ما لا نستطيع قوله في مجتمع يخاف الجميع الجميع ويراقب الجميع الجميع , فأعتى سجن هو سجن يراقب المساجين رفاقهم لصالح السجانين ... أو سجن يتوهم المسجون أنه سجان وأنه هو من إختار سجنه ... هيهات لهذا أن يكون حراً , فأمثال هؤلاء لا يرون قيودهم ليكسروها ... بل أحياناً يقدسون هذه القيود ! يصنعونها ويلبسونها لكل مولود جديد ... يقتلون ويضطهدون بإسمها ... فالقيد راحة أحياناً يا صديقي , فالمقيد لا يسأل الى أين أذهب ... وقيد السؤال لا فكاك منه ... قيد عانيت منه أنت , ولا أزال أعاني منه يا صديقي .
ربما قلت لك أنني وحيد ليس لأني مثقف أو فيلسوف فأني لست أياً منهما , أنا يا صديقي بحثت عن الكمال ... ولم أكن أعرف ما هو الكمال ... ومحال أن تجد ما تبحث عنه إن كنت لا تعرف عن ما تبحث , هذا بإختصار هي حكايتنا أنا وأنت ... بحث محموم عن لون لم تره عين ... عن حرف لم ينطقه لسان ... نبحث عن معنى جديد ولغة جديدة وحياة جديدة ... نبحث عن اللاشيء بعد أن كرهنا ومللنا كل شيء ...
ربما صارحتك أنني لا زلت أبكي حين لا يراني أحد , أبكي حين أذكر أنني يوماً ما ضربت أخي الصغرى , يوماً ما تجاهلت محاولات جاهدة من شخص ما ليصادقني , جرحت حبيبة لم تستطع أن تفهمني ... ولا زال هذا الندم يعتصرني في كل ثانية ... ولا عذر لي سوى أنني لم أستطع أن أكون لهم ما يريدون ... لم أستطع أن أنافقهم ... لم أستطع أن أشرح لهم من أنا ... فهذا سؤال لا أملك إجابته ... لا عذاب أعتى من الشك , ولا سجن اسوأ من الندم ... وثمن النسيان هو ضياع الهوية , فأنا وأنت لسنا سوا اخطاء وخيبات أمل وتاريخ نحاكم عليه ... والمصيبة أننا أقسى القضاة حين نحاكم أنفسنا .
ربما لو التقينا لكنا طببنا جروح بعضنا , ربما إستمعنا الى أغنية لسام مكلين , ربما إستطعت أن أطيل بقاءك الجميل في هذه الحياة السافلة والشمطاء والقبيحة , لكن يشاء القدر العابث أن تموت وبيننا اميال وحدود وتأشيرات سفر وإختلاف أديان وجنسيات وعادات وتقاليد ... وأخشى ما أخشاه أن يكون موتك لا حياتك هو ما جعلك بهذا القرب مني ... ربما كنا منهم ونحن لا ندري ... ننتظر أن نخسر الحبيبة لنكون جديرين بها ... ننتظر خسارة الصديق لنرثيه ونحتفل بحياته ... ربما كنا مجرد مجانين في عالم عاقل , لا عقلاء في عالم مجنون كما نتوهم .
أعذرني يا صديقي فلن أستطيع اللحاق بك الآن , رغم الإحساس القاتل أنني تركت كل جميل في حياتي خلفي وأن القادم لن يكون إلا أكثر سواداً وقتامة ... فحبيبتي وأجمل ذكرياتي خلفي ... ولكن هناك أحياء أنا على أتم الإستعداد أن أموت لأجلهم ... ولا أملك سوى حياة واحدة ولا زلت أنتظرهم أن يطالبوني بها ... والداي وأخوتي يا صديقي , كما أن معركتي لم تنته بعد ... لم أختر أن أحارب ولكني في عالم لا يعرف الى لغة الحرب , أحمل إسماً لم أختره ... ديناً لم أختره ... وطناً لم أختره ... لغة لم أخترها ... ولا بد أن أختار موقعي من الإعراب في هذه المعركة العابثة وأموت كما هو مذكور في النص , ضريبة البقاء لأجل من تحبهم ... ثمن باهظ أدفعه بكل سرور .
آخر مرة كتبت عن مشاعري كان قبل سنين حين خسرت حب حياتي , وها أنا أكتب الآن بسببك ... فعليك السلام جميلاً حياً وميتاً والتحية لتونس الحبيبة ... أتمنى أن أزور قبرك يوماً قبل اللحاق بك .
وداعاً صديقي
ياسر ضحوي

No comments:

Post a Comment