Wednesday, December 13, 2017

خطر السلفية (الإسلام السياسي) المسكوت عنه

أعطني الحرية أو أعطني الموت

باتريك هنري


أهدي هذا المقال الى ضحايا تفجير مسجد الروضة بسيناء , أمر مؤسف تدمع له الأعين ويندى له الجبين أن يحدث في مصر التي أنجبت فرج فودة وطه حسين ونجيب محفوظ هذه الجرائم الإرهابية االبشعة ... من أشخاص لا يمنحون حق الحياة إلا لأنفسهم ويقتلون ويدمرون بإسم فرض أفكارهم ومشاريعهم بالقوة مختبئين وراء قدسية الإله التي يبررون بها محاربة التفكير الحر وحرية العقيدة والدولة الديمقراطية

أكتب لكم هذا المقال ليس كسوداني علماني , بل كإنسان من ساكني هذا الكوكب , والفئة التي أكتب عها هذا المقال لأبين خطرها المحدق بنا جيمعا لا تقتصر فقط على من يسمون نفسهم سلفيين ... بل على كل أصحاب العقول الماضوية 
والثيوقراطيين المسلمين عموما , بمعنى من ينادون بقيام دولة دينية إسلامية سواء كانوا سلفية أو أنصار سنة أو سروريين أن جهاديين أو دواعش أو أي كانت اسمائهم وإنتماءاتهم طالما انهم ثيورقراطيون يتفقون في الأجندة والمهمة ... قيام الخلافة

لنبين خطر هذا السرطان الذي ينخر في جسد هذا الجنس البشري لا بد أن نفهم عقلية هؤلاء ونراجع تاريخههم , ولنبدأ بسؤال : من بين كل التاريخ البشري لماذا يسعى هؤلاء الى إقامة الخلافة ؟ الخلافة ليست إلا جزءاً من التاريخ الطويل للتنازع والإحتلال بين البشر مثل الإحتلال البريطاني أو الفرنسي أو النازي أو الروماني أو حتى إمبراطوية المغول الأضخم تاريخياً التي أسسها جنكيز خان ... لماذا ينادي السلفيون فقط بإقامة الخلافة بعد سقوطها وقد سقطت غيرها كثير من الإمبراطوريات ؟ ولماذا يرفض السلفيون مفهوم الدولة الوطنية الحديثة ؟!

هذه الإحتلالات سواء كانت إحتلالاً إسلامياً أو غير إسلامي تنطلق من ايدلوجيا ... أفكار ومعتقدات وعقائد شمولية تفسر الماضي وتوجه الحاضر نحو مستقبل منشود وتضع الأسس الأخلاقية وتضفي مشروعية على أهداف الأيدلوجيا وطموحاتها , بعد ظهور فلاسفة ما بعد الحداثة وما كتبه كارل بوبر عن بؤس الأيدلوجيا وفشل كل الأيدلوجيات في التنبؤ بمصير العالم فقدت الأيدلوجيا اهميتها وصار الإنسان في زمن ما بعد الأيدلوجيا ... فقد فشلت الماركسية في تنبؤها بنهاية الرأسمالية مع الكساد الإقتصادي العظيم في الولايات المتحدة وأصلحت الرأسمالية من ذاتها وبرز الماركسيون الجدد والطريق الثالث , وكما تنبأ السلفيون بأيدلوجيتهم الإسلامية أن داعش هي تحقيق الوعد النبوي بعودة الخلافة وسيزحف المجاهدون حتى يحتلوا بلاد الروم وها هي داعش تنتهي فمبارك لنا وللعالم أن هذه النبوءة الأيدولجية لم تتحقق .

لا ألومك إن كنت أيدلوجيا في عصر ما بعد الإيدلوجيات , ولكن مشكلتي مع الأيدلوجيا هي نزع الأنسنة عن من خالفها ... فالماركسي مثلا لا يرى الليبرالي أنه شخص يختلف معه في وجهة النظر الإقتصادية , بل هو أحد أذرع البرجوازية والإمبريالية العالمية ولا بد من ثورة إشتراكية تقضي على البرجوازية الكبيرة والصغيرة وكل الطبقات التي تدعم طغيانها , وكذلك السلفي لا يرى غير المسلم أو المسلم العلماني الذي يدعم دولة المواطنة مجرد مخالف له في الرأي ... بل هو كافر من أتباع الطاغوت الذين ينازعون الله في ملكه ولا بد من القضاء عليه لمصلحة البلاد والعباد وإرضاءاً للرب !

حين كنت أناقش دعاة الخلافة في الماضي كانوا يحتجون أن الخلافة الإسلامية لا يمكن وصفها بالإحتلال , بل هي حركة لتحرير البشر وتدعم حرية الإنسان وكرامته ... فهل تمدد الخلافة كانت حركة تحرير أو كانت إحتلالاً دموياً ؟ لنرى ما يقوله التاريخ عن الخلافة , وخصوصاً الإحتلال الإسلامي للهند ...

الإحتلال الإسلامي للهند

الإحتلال الإسلامي للهند هو الأكثر دموية على مدار التاريخ وهو يمثل أبشع تمظهرات العنف الأيدلوجي الذي أنتج جرائم الحرب والإبادات الجماعية مثل محاولة الخلاف العثمانية إبادة الأرمن أو محاول النازيين إبادة اليهود أو جرائم الدواعش البشعة في حق الإيزيديين , عدد الذين ماتوا في الإستعمار الإسلامي للهند 80 مليون إنسان ! وما هو السبب ؟! نشر الإسلام في أرض الهندوس والبوذيين بالسيف والدم ... بالقتل والسبي والنهب ...

محمود الغزنوي الملقب ببطل الإسلام وفاتح الهند عندما دخل أفغانستان قام بقتل كل الهندوس حتى سميت تلك المنطلقة التي حدثت فيها هذه الجريمة البشعة hindu kush  أو المذبحة الهندوسية , عندما دخل الغزنوي السفاح مدينة سومناث في إحدى غزواته السنوية قتل قرابة ال 50.000 شخص !

قائد المسلمين علاء الدين الخالجي عندما دخل مدينة كمبت قتل كل الذكور ورحل كل النساء والثروات الى بلده وضم 20.000 هندوسي الى طاقم خدمه وعبيده , كانت المعابد تهدم لتقام مكانها المساجد وكان كل حاكم إسلامي جديد يصنع تلالاً (حرفياً) من جماجم الهندوس

Will Durant, في كتابه " قصة الحضارات: ميراثنا الشرقي" (The Story of Civilisation: Our Oriental arv, 1935) يقول في الصفحة 459:"الاحتلال المحمدي للهند، على الارجح، هو الاكثر دموية في التاريخ.

في كتاب " كتابة تاريخ الهند" للكاتب فرانكويس غوايتر (1996) ." (Francois Gautier 'Rewriting Indian History') كتب يقول:"المجازر التي قامت بها السلطات الاسلامية في الهند لامثيل لها في التاريخ، أكبر من الهلوكيست واكبر من مجازر الارمن او مجازر الاسبان والبرتغال ضد الهنود الحمر".


كتب رايتر فيرنارد في كتاب تاريخ الحضارات
(Writer Fernand, History of Civilisation, 1995) 
:" الادارة الاسلامية للهند كانت مثل تجربة استعمارية، عنيفة للغاية. المسلمين لم يكن باستطاعتهم ابقاء ادارتهم للبلاد بدون ارهاب ممنهج.

الوحشية كانت هي القاعدة: التدمير والاحراق والقتل الجماعي والتقطيع والصلب والتعذيب بطرق مستحدثة. المعابد الهندوسية دمرت لتقوم مكانها مساجد. واحيانا كانت تحدث تحولات الى الاسلام بالقوة. إذا قامت انتفاضات يجري قمعها بالقوة على الفور: المنازل تحرق والقرى تسوى بالارض والرجال تذبح والنساء تسبى".


الكاتب آلان انيلو
(Alain Daniélou, Histoire de l'Inde )
يقول :" منذ اللحظة التي وصل المسلمون فيها، حوالي 632 ميلادي، تاريخ الهند اصبح لون واحد من القتل والمجازر والتدمير.
جرى ذلك كالعادة تحت حجة الجهاد المقدس

من اجل الله، الواحد الاحد، بما يتيح للبربر تدمير حضارات برمتها وابادة اعراق".

وهذه ما هي إلا شذرات من تاريخ دموي متوحش ووصمة عار في جبين الإنسانية في وصف أحداث تعد القمة في الوحشية والهمجية حتى لو قارناها بعصرها وثقافتها

قد يدافع البعض عن هذا الإجرام أنه كان وليد ظروف حتمت حدوثه وأن المسلمين لم يستغلوا تلك الشعوب ولم ينهبوا مواردها بل سكنوا فيها وتعايشوا مع أهلها , نجد الرد على هؤلاء في ما كتبه إبن خلدون عن العرب في مقدمته فقال : باب .. في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب
والسبب في ذلك أنهم امة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلة ، وكان عندهم ملذوذ لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد لسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمران .
فالحجر مثلا أنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي القدر ، فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونه لذلك .
والخشب أيضا أنما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران هذا في حالهم على العموم .
أيضا طبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس ، وان رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في اخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه .
لا يكلفون على أهل ألأعمال من الصنائع والحرف أعمالهم ولا يرون لها قيمة ولا قسطا من الأجر والثمن .
ليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض أنما همهم ما يأخذونه من أموال الناس نهبا وغرامة .

عن أي إستغلال تتحدثون وأي حضارة يصنعها هؤلاء ؟ أي موارد يأخذونها وهم لا حضارة عندهم ولا إنتاج والغزو عندهم نهب وسبي ! حتى العبيد والجواري كانوا للإستغلال الجنسي والسخرة ليس إلا ... سوق النخاسة كان مقاماً في المملكة حتى عام 1962م والفضل للدول العلمانية الكافرة التي أوقفت هذه الجريمة التي كانت تمارس في مهبط الوحي , ديانات مصر التي كانت توصف بالوثنية لم يكون فيها سبي ولا إستغلال جنسي لجواري ... ثم يقال أن المسلمين علموا العالم الحضارة ! في النهاية هذا ما تركته الأيدلوجيا الإسلامية وتمظهراتها السياسية والإقتصادية ... تاريخ دموي إجرامي مخجل يندى له الجبين


إن هذه اللمحة السريعة لهذا التاريخ المخيف ليست سوى مقدمة لنفسر بها طريقة تفكير السلفيين ونفسر أحداثاً هامة في تاريخ الحركة السلفية الجهادية بمسمياتها المتعددة , من أجمل الكتب التي وثقت ظارهة داعش وأنصحكم جميعاً بقراءته كتاب جوبي وريك : الأعلام السوداء , صعود داعش

داعش

بدأت القصة مع حرب أفغانستان مع الإتحاد السوفييتي , المعركة لم تكن من أجل تحرير أفغانستان من المحتل أو من أجل الإنسان الأفغاني , بل صبغ الصراع بأنه حرب بين الإسلام وبين المد الشيوعي ... سافر المجاهدون من كل مكان الى أفغانستان , وبرعاية أمريكية كان المجاهدون يحاربون الإتحاد السوفييتي بأسلحة أمريكية وكان الجهاد كركن إسلامي لا بد من إقامته وراية لا بد من رفعها يتم التبشير به في خطب المساجد ومناهج المدارس التي يدرسها طلاب أفغانستان ... الخطر الحقيقي للتطرف الإسلامي بدأ هنا , فالجهاد لم يكن مقاومة وطنية ضد إحتلال أجنبي , بل كان حرباً عسكرية ضد كل من يقف ضد قيام الإمبراطورية الإسلامية ... إعداداً لحرب لن تتوقف حتى تحكم الشريعة العالم ويخضع البشر جميعاً لخليفة إسلامي يمثل سلطة الإله في الأرض , وغض الجيمع الطرف طالما أن الضحية هو الإتحاد السوفييتي ... ولم يرى أحد الخطر الكامن في الأفق أن خطر التيار الجهادي سيطال العالم أجمع .

كان أسامة بن لادن الملقب بشيخ المجادين يستقبل في المملكة العربية السعودية إستقبال الأبطال , كان الدعاء لنصرته ومن معه يرتفع من كل المآذن ... حتى سقط الإتحاد السوفييتي وإنهزم , هزيمة الإتحاد السوفييتي على يد الجهاديين كان دفعة معنوية لا مثيل لها ... فالمجاهدون لم يروا أن هذا الإنتصار وليد الدعم الإستراتيجي الأمريكي ومماثل لهزيمة أمريكا في فيتنام مثلاً , بل رأوه على أنه نصر إلهي لهم ضد قوة عالمية كافرة ... نصر هو الأول من سلسلة إنتصارات كانوا يأملونها لتخضع كل القوى العالمية لحملتهم الإسلامية , لم يغادر المجاهدون لأن تحرير أفغانستان لم يكون هدفهم ... بل تحرير العالم من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة الوطنية بدءاً من أفغانستان , وهنا بدأت نواة الدولة الدينية الإسلامية .

كان لبس النساء للبرقع في أفغانستان إجبارياً , طبقت قوانين الشريعة ومنعت الموسيقى وكل ما هو مخالف لرؤية الإسلامويين للدولة الفاضلة ... حتى أن حلق اللحية في أفغانستان كان ممنوعاً قانوناً وله عقوبة وخيمة للحلاق والمحلوق له ! وفي دولة لا يحق لك فيها أن تحلق لحيتك لا مكان للحديث عن الحرية أو التغيير ... ولكن أفغانستان لا تكفي , لا بد أن تعود الخلافة ولا بد أن نحتل بلاد الروم ... وإتجهت أحلام الجهاديين وطموحاتهم الى إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية , منارة الحريات وحقوق الإنسان وقوة عظمى لا بد أن تنتهي كما إنتهى الإتحاد السوفييتي ... وبدأت التفجيرات تطال السفارات الأمريكية وبدأ الأبرياء يموتون لا لشيء سوى أنهم يعملون في سفارة كافرة أو يسكنون قربها ,أسامة بن لادين الذي كان شيخ المجاهدين الذي تحتفي به المملكة وتستقبله إستقبال الفاتحين تحول الى إرهابي وتم تجميد ثروته الطائلة في بنوك المملكة , كان ما يفعله أسامة بن لادن مقبولاً طالما أنه ضد الإتحاد السوفييتي ... ولكن ما إن تغيرت أهدافه حتى تغير موقف العالم منه , لا بأس من إستغلال الدين سياسياً وحربياً طالما أنه يخدم أغراضنا ويدمر اعداءنا ... ثم أتى يوم 11 سبتمبر المشؤوم وسقوط أبراج التجارة العالمية , الحدث الذي بدأت منه صناعة قصة أبومصعب الزرقاوي , الشخصية المركزية في كتاب جوبي وريك وبداية داعش ... داعش التي أظهرت الوجه الحقيقي للايدلوجيا الإسلامية السياسية .

أسامة بن لادن كان تحت الحصار الأمريكي ولا مساحة له لكي يتوسع رغم أنه والقاعدة قد تبنوا الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر , لكن إدارة جورج دبليو بوش كان تحت ضغط رهيب بعد هذه الهجمات ... لم يكن كافياً نسبة هذه الهجمات الى مجموعة صغيرة لا شان لها واقعة تحت الضغط الأمريكي إستطاعت أن تضرب قلب الدولة الأمريكية , كان لا بد للإدارة الأمريكية (في وجهة نظرهم) أن يكون رد الفعل على هذه الهجمات قوياً ومدوياً ... كان لا بد من إختراع عدو جديد وتدميره كلياً حتى يصطف الشعب الأمريكي مرة ثانية حول حكومته , ووجدت الحكومة الأمريكية ضالتها في الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي المختبيء في العراق .

أبو مصعب الزرقاوي كان موجوداً في سجون الأردن بتهم عدة منها التآمر والتخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية في الأردن , ينتمي أبو مصعب الزرقاوي الى مدرسة فكرية مختلفة عن بن لادن والظواهري ... كان بن لادن يرى أنه لإقامة الخلافة لا بد من إستهداف الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في المنطقة لتحرير الأمة الإسلامية من نفوذها ثم إقامة دولة الخلافة الإسلامية , بينما يرى الزرقاوي أن أمريكا ليست وحدها عدوة الخلافة ... بل كل النظم والحكومات الوطنية العلمانية الكافرة وكل من لا يسعى ويدعم قيام الخلافة هو عدو للخلافة , بن لادن والزرقاوي كلاهما إرهابيان ومتطرفان رغم أن الزرقاوي أكثر تطرفاً ... فبن لادن لا يمانع قتل الأبرياء مثل موظفي السفارات والمتسوقين في أبراج التجارة طالما أن هذا يضر بالمصالح الأمريكية , بينما الزرقاوي لا يمانع قتل الأبرياء أي كانوا طالما أنهم لم ينضموا للمجاهدين ولم يحاربوا الحكومات الكافرة التي تحكمهم ... وكلاهما يتفقان على إقامة الخلافة .

كان الزرقاوي مختبئاً في العراق بعيداً وخصوصاً أن مناطق الأكراد كانت تحت الحماية الأمريكية بعد جرائم صدام في حق الأكراد مثل الإبادة الجماعية بالأسلحة الكيماوية , كان صدام ديكتاتوراً وكان للسنة الحظوة في عهده ... ولكنه كان ينكل بالإسلاميين والمتشديين ولا يمكن أن يجعل العراق ملجأً للإرهابيين ولم يكن في العراق أسلحة دمار شامل , ولكن أعلنت أمريكا أن عدوها الحالي هو أبو مصعب الزرقاوي وأنه لتنتقم من أحداث سبتمبر لا بد لها من غزو العراق ... حرب تنقذ ماء وجه حكومة الرئيس بوش ... حرب دفع العالم ثمنها غالياً , سقط حكم صدام على يد القوات الأمريكية ليكسب جورج بوش إنتصاراً وهمياً ... بعد سقوط الحكم في العراق وجد الزرقاوي وتنظيمه التوحيد والجهاد ضالتهم في العراق لبناء خلافتهم على أنقاض العراق ... أول عمليات قام بها تنظيم الزرقاوي الإرهابي هو قتل الأمريكي نيك بيرغ , تفجير مبنى الأمم المتحدة في بغداد , تفجير مسجد الإمام علي في النجف الذي يؤمه الشيعة ... هذه الأعمال الإرهابية المتتالية سواء كانت وليدة الصدفة أو وليدة تخطيط متقن كان لها تأثير عميق جداً , قتل أمريكي لمجرد أنه أمريكي وتفجير مبنى الأمم المتحدة أدى الى عزل العراق من أي دولة أو منظمة أجنبية ... فلم يكن العراق مكاناً آمناً لأي كان والتفجيرات الإنتحارية تقتل بلا تمييز ليثبت الزرقاوي ورفاقه أن العراق ليس مكاناً آمناً وأن أمريكا لا تستطيع بسط الأمن فيه ... أما تفجير مسجد شيعي فقد كان شرارة الإقتتال الطائفي بين السنة والشيعة , رغم أنه في حكم صدام كان هناك أمثلة جميلة للتعايش بين السنة والشيعة وهم يتصاهرون ويتعايشون ... لكن نظام صدام كان يقهر الشيعة ويحابي السنة بشكل ملحوظ , لقد كان العراق دولة بها دستور وبرلمان ومؤسسات دولة وطنية ... لكن لم يكن به مواطنون , إحساس المواطنة الحقيقي هو أن نشعر أننا شركاء متساوون في وطن واحد ... أما العراق فكان الشيعة تحت قهر يجعل بعض ضعاف النفوس يوجه سخطه على صدام تجاه سنيي العراق , وأما السنة فبدأوا يشعرون بأنهم مستهدفون وأنهم سيدفعون ثمن ما فعله صدام ... الوصفة المثالية لحرب أهلية , وهذا الخراب الدامي أدى أن يقرر بن لادن ترقية الزرقاوي الى ممثل للقاعدة في العراق .

كان الزرقاوي يرسل عن طريق الإنترنت الرسائل الصوتية وتسجيلات الفيديو ليتبنى الجرائم التي تتراكم يوماً بعداً يوم , صار من أهم المطلوبين حول العالم وإرتفعت القيمة المالية لمن يقدم معلومات عنه لتساوي قيمة من يبلغ عن بن لادن , كان أتباع الزرقاوي يصنعون القنابل من أبسط المواد ... فالقنابل الكيماوية السامة يمكن تصنيعها من مواد بريئة قد تستخدم في التصوير , أما سبب قوتهم الحقيقي كان الدعم الذي يصلهم من الخارج وأهم عنصر فيه هو الشباب المستعد لإرتداء القنابل وتفجير نفسه معها من أجل الخلافة !

كانت فيديوهات الزرقاوي وهو يذبح الأمريكيين بيده تنتشر إنتشار النار في الهشيم , وبسبب هذه الفيديوهات كان الشباب الحالم بالجهاد يتدفق الى العراق بالمئات شهرياً ! بعض الإحصائيات تقدر الداخلين الى العراق ب 150 شخصاً على الأقل شهرياً ... هذا التدفق الهائل رغم الجرائم الدموية التي يرتكبها تنظيم القاعدة في العراق بقيادة الزرقاوي يثبت الإرتباط الوثيق بين الإرهاب وأيدلوجيا الخلافة , شباب عاش حياته كلها يسمع عن قتل الكفار ومجاهدتهم ودخول الجنة وجد ضالته في الزرقاوي وعصابته ... وجد مكاناً لينفذ ما كان يملونه عليه طول حياته ... بعد خسائر فادحة قررت أمريكا أن تخرج من العراق وتجعل العراقيين يصنعون حكومة جديدة بعد أن تحرروا من أسر صدام , فرد عليهم الزرقاوي بأن القتل هو مصير كل من يحاول المشاركة في هذه الإنتخابات وإجترح الزرقاوي المستحيلات لإفشال الإنتخابات ... إغتيالات لمن يترشح في الإنتخابات أو أن يخطف أهل بيته حتى يتنازل عن ترشيحه , حتى بعد أن خرجت أمريكا من العراق لم يتوقف الزرقاوي ولا عصابته ... فهم لا يهمهم العراق ولا الإنسان العراقي ولم ياتوا لمقاومة محتل , بل اتوا لإقامة الخلافة ... تماماً كمجاهدي أفغانستان في القاعدة الأصل .

ونتيجة هذا الإرهاب الذي منع غالبية السنة من المشاركة في الإنتخابات تشكلت حكومة من غالبية شيعية وأكراد وكان تمثيل السنة فيها أقل من 2% ... أمر لا زال العراق يعاني منه حتى الآن , أما الزرقاوي فإن عملياته الإرهابية لم تقتصر على العراق , بل إمتدت الى وطنه الأردن ... فدعاة الخلافة لا يؤمنون بوطن , كما أن الزرقاوي قال : الطريق الى فلسطين يمر بالأردن ... الأردن ... حلم الإرهابيين بعيد المنال

الأربعاء الأسود هو الأربعاء الموافق 9 نوفمبر 2005 حيث وقعت ثلاث عمليات تفجير إرهابية باستخدام أحزمة ناسفة،استهدفت ثلاث فنادق تقع في وسط العاصمة الأردنية عمان. حيث وقع أولها في تمام الساعة التاسعة والنصف في التوقيت المحلي لمدينة عمان في مدخل فندق الراديسون ساس، ثم ضرب الثاني فندق حياة عمان ثم بعدها بدقائق تم استهداف فندق دايز إن. وصل التقدير المبدئي للضحايا إلى 57 قتيل وما ينوف على 115 جريح. كان السبب الرئيسي لارتفاع عدد القتلى هو حدوث تفجيرفندق الراديسون أثناء إقامة حفلة زفاف لعائلة أردنية. تبنى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مسؤولية التفجيرات ... شاهد العالم صور العائلات والأطفال القتلى بالقنابل البدائية المغلفة بشظايا معدنية لتزداد  وحشية الجريمة البشعة , لا لشيء سوى أن إرهابياً يريد أن يشيع الفوضى ليقيم الخلافة على أنقاض وطنه ويقتل الأبرياء بحجة أنهم يعيشون في كنف دولة علمانية ديمقراطية والعياذ بالله !

وبدأت وقفة جادة ضد الزرقاوي وعصابته من العالم الإسلامي أجمع , لم يعد محاربته عسكرياً ومخابراتياً وسحب جنسيته كافياً ... لا بد من قطع إمداده بالقوة البشرية , إرتفعت الأصوات من الشيوخ ورجال الدين والإفتاء حول العالم الإسلامي تدين جرائم الزرقاوي وتحرم التفجيرات الإنتحارية ... وبين ليلة وضحاها تحولت مليشيات الزرقاوي من مجاهدين الى خوارج ! ينشر جوبي وريك في كتابه رسالة إعترضتها المخابرات الأمريكية بين الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة والزرقاوي , الرسالة فيها تأنيب شديد اللهجة للزرقاوي بسبب دمويته المفرطة وأنه يشوه إسم القاعدة وسمعتها ... لاحظ عزيزي القاريء كيف يفكر هؤلاء الإرهابيون وما هي موانع العنف عندهم , الظواهري لم يعترض على جرائم الزرقاوي لأنها ضد الإنسانية ... ولا لأن قتل الأبرياء جريمة لا تبرر ... ولا حتى لأنها حرام ... بل لأنها تشويه لإسم القاعدة ! فالقاعدة لو تم تجريمها وشيطنتها وتحريم الإنضمام إليها فإن عدد المجاهدين المنضمين إليها سيقل بشكل ملحوظ , إن هؤلاء المجرمين لا يهمهم لا الإنسان ولا الأوطان ... بل الخلافة ولا شيء غيرها , مهما وقع من ضحايا ومهما مات من أبرياء طالما أن موتهم يقربنا من هدفنا , ولا يردعهم عن القتل والإجرام إلا إذا كان يبعدهم عن خلافتهم المشتهاة ... عذر أقبح من ذنب !

بعد جهد جهيد إستطاعت المخابرت والقوات الأمريكية قتل بن لادن والزرقاوي , ولكن الأيدلوجيا التي صنعتهما لا تزال حية ... ثم إنتقلت شرارة الربيع العربي الى سوريا

عندما خرج الزرقاوي من سجنه في الأردن خرج بعفو من الملك عبد الله الثاني للمصالحة مع الإسلاميين , فجزء مهم من إستقرار الأردن هو التفاهم بين الملكية وبين الشخصيات المؤثرة في مسلمي الأردن , أما إسلاموي سوريا حين خرجوا من سجون الأسد فقد خرجوا لسبب آخر ... بدأت المظاهرات في سوريا مثالاُ للحضارة والإحتجاج السلمي , كان المتظاهرون السوريون يوزعون الورود ويطلقون طيور الحمام في السماء , لم يتظاهر السوريون كسنة أو شيعة ... بل كسوريين يحلمون بوطن أفضل . لكن كان لبشار الأسد مخططات أخرى , أخرج الأسد كل الإسلامويين , المتشديين ودعاة الخلافة من السجون ... وإختلط هؤلاء مع المعارضة السورية السلمية , هذا بالإضافة الى المجاهدين الذين إنتقلوا من العراق الى سوريا ... وكما كان في أفغانستان وسوريا ... لم يأت هؤلاء من أجل سوريا أو من أجل السوريين ... فهم لا يعرفون وطناً ولا وطنية , وهؤلاء لم يأتوا من أجل تحرير السوريين من حكم مستبد ... بل ليستبدلوا إستبداد الرئيس بإستبداد الخليفة , وهذه المرة ظهر تنظيم القاعدة في سوريا تحت إسم جبهة النصرة .

مرت أقل من 3 أشهر على بداية الثورة في سوريا وأطلق الظواهري كلمة مصورة يدعوا فيها الى الجهاد في سوريا ويحذر من أمريكا وقوى الإستعمار ويؤكد أن الجهاد لن يتوقف حتى ترفع رايات الجهاد في القدس , ثم كلمة أخرى في 2012 مشابهة للأولى يضيف في تحذيره من أمريكا تركيا والعرب ... كلمة إستنكرها الثوار السوريون وسعد بها النظام لأنها تؤكد تصريحات الأسد أن هؤلاء الثوار ليسوا الى إرهابيين وتكفيريين , كلمة الظواهري جاءت بعد شهر من تفجير إحدى ميادين سوريا ... إستنكر الثوار السوريون هذا التفجير وإعتبروه صنيعة من النظام , وحين تبنت جبهة النصرة هذا التفجير إعتبروا جبهة النصرة ذاتها صنيعة النظام . قامت الولايات الأمريكية بوضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب وإعتبرتها إمتداداً للدولة الإسلامية في العراق وهي إحدى فروع القاعدة ... حاول المدافعون عن جبهة النصرة نفي إرتباطها بالقاعدة حتى قام قائد الجبهة بتجديد البيعة للظواهري ... ثم ظهور تسجيل صوتي لأبي بكر البغدادي قائد القاعدة في العراق يعلن إتحاد دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة لأهل الشام تحت مسمى دولة العراق والشام الإسلامية ... حتى أنه في كلمته ذكر أن الأسلحة ستظل مرفوعة حتى يحكم الشرع وحذر أبناء الشام من الخروج من ظلم الديكتاتورية الى ظلم الديمقراطية ! أما جبهة النصرة فقد جددت بيعتها للظواهري كإلتفاف حول أبو بكر البغدادي , فهم لا ينتمون الى البغداداي بل الى تنظيم القاعدة الأصل .

أما البغدادي فقد سار على خطى البغدادي , لا زالت مقاطع الذبح والقتل تصور وتنشر على الإنترنت , بل فعل البغدادي ما لم يفعله أحد قبله ... وهو إستغلال الأطفال في الإرهاب وتحويلهم الى إنتحاريين وقتلة , فينشر التنظيم صورة طفل يحمل حلوى في يد ومسدساً أو رشاشاً في اليد الأخرى ... وقد راعني من كل الفيديوهات التي نشرتها داعش مقطعان , المقطع الأول لإعدامات جماعية قامت بها داعش ... يقوم الدواعش بمطالبة الحضور بالمشاركة بقتل الكفار وإغرائهم بحديث : لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً. رواه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده، وأبو داود في سننه وهو حديث صحيح ! والأدهى والأمر أن شباباً من المنطقة يظهرون في الفيديو يأخذون السلاح من الداعشي منفذ الإعدام ويقتلون شخصاً لا يعرفونه ولا يعرفون ما هو جرمه طمعاً في الجنة وأنهار الخمر والحور العين !!! أما الفيديو الثاني فهو لأب سوري قد ربط الحزام الناسف حول إبنته وهو يودعها قبل أن تفجر نفسها وتقتل الكفار لتسبق أهلها الى الجنة !!!

هذه المشاهد رغم فظاعتها الى أنها توضح مدى وحشية إرهابيي الخلافة , فهم لا يؤمنون بأخوة في الوطن ولا حتى قرابة في الدم ... فلا قرابة إلا قرابة العقيدة ولا سلام إلا مع تحكيم الشرع بقوة السلاح  , إن هذا العنف لا يعلن عنه بهذه الصورة المقززة إلا لأنه جاذب للكثيرين اللذين يأمل الجهاديين في تجنيدهم , وهنا يكمن خطر الإسلام السياسي ... فهو ما يزرع الإستعداد الى الإرهاب بإسم الدولة الدينية الإسلامية , مناهج المدارس وخطب المساجد التي تجعل الشباب يحلم بقتل الكفار وإمتلاك الجواري , فيعيش على حلم الخلافة حتى يسافر الى أقرب خلية إرهابية فينضم إليها ... والحجة والمبرر لكل هذا الإجرام هو دولة إسرائيل وإحتلال فلسطين , وهنا لا بد أن نحلل قضية إسرائيل والدولة الفلسطينية ونضحد إدعاءات هؤلاء الإرهابيين ...

إسرائيل
وجود دولة إسرائيل كان وما زال الدافع الرئيسي وراء كل دعوات الجهاديين ومبررهم الأول والأوحد لشن حرب ضد العالم أجمع , ولكنا كما رأينا في تاريخ الجهاديين في أفغانستان والعراق وسوريا فالجهاديون أو السلفية الجهادية وما شابهها من أنصار السنة والسروريون والدواعش وغيرهم ليسوا محررين ... بل محتلين , وحتى لو تحقق حلمهم المنشود بإبادة دولة إسرائيل فإنهم لن يتوقفوا حتى تعم نازيتهم الإسلامية العالم أجمه . ولكن لماذا إسرائيل ؟ ولماذا هذا الإصرار الغريب على تدميرها ؟ لنعرف الإجابة ولنصل الى قناعة محايدة لا بد من أن نعرف ما هي قصة إسرائيل ...

بعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية إحتلت بريطانيا معظم الشرق الأوسط بما فيها المنطقة التي بها إسرائيل وفلسطين (1918م) , بعد 17 عاماً ثار العرب ضد الحكم البريطاني وجيرانهم اليهود (1936م) , أرسلت بريطانيا الى المنطقة بعثة سميت ببعثة بييل بإسم رئيسها اللورد ويليام بييل لدراسة أسباب الثورة ... خلصت البعثة الى أن سبب النزاع والعنف هو صراع بين العرب واليهود على حكم نفس المنطقة الجغرافية , والحل الذي إقترحته اللجنة هو صنع دولتين مستقلتين ... واحدة للعرب والأخرى لليهود . حصل العرب على 80% من الأرض المتنازع عليها واليهود على 20% فقط في مقترح فصل العرب عن اليهود , صوت اليهود على قبول العرض بينما رفض العرب وإستمروا في ثورتهم .

بعدها بعشرة سنوات (1947م) طلبت بريطانيا من الأمم المتحدة إيجاد حل للنزاع المستمر بين العرب واليهود , إقترحت الأمم المتحدة أيضاً فصل العرب عن اليهود في دولتين مستقلتين ... قبل اليهود ورفض العرب , وكان رفضهم متمثلاً في حرب مفتوحة ضد اليهود  , حرب شاركت فيها مصر , سوريا , الأردن , لبنان , العراق ... هزموا جميعاً وإنتصرت إسرائيل في الحرب , مناطق كانت مخصصة للعرب في تقسيم الأمم المتحدة مثل القدس الشرقية والضفة الغربية صارت أراضي محتلة ... ليست محتلة من قبل إسرائيل بل من قبل الأردن , بعدها بعشرين عاما (1967م) إنطلق العرب في حرب أخرى ضد إسرائيل بقيادة مصر وبالتعاون مع الأردن وسوريا ... حرب الأيام الستة التي إنتهت بإنتصار حربي آخر لإسرائيل , وصارت الأراضي الواقعت تحت السيطرة الأردنية واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية .

إنقسمت الحكومة الإسرائيلية حول ما يجب فعله في هذه الأراضي الجديدة , قسم أراد إعطاء الضفة الغربية للأردن وغزة لمصر مقابل السلام , القسم الثاني أراد إعطاء هذه الأراضي لعرب المنطقة (الفلسطينين) على أمل أن يبنوا دولتهم الخاصة عليها ... لم يكن هناك أي نية لإسرائيل للبقاء في هذه الأرض وإجلاء العرب منها ... لم يكتب لهذه المبادرات أي نجاح , بعدها بشهور إجتمع القادة العرب في السودان وأصدروا بيان اللاءات الثلاثة : لا سلام مع إسرائيل , لا إعتراف بإسرائيل , لا تفاوض مع إسرائيل .

في عام (2000م) التقى إلتقى إيهود باراك مع ياسر عرفات في كامب ديفيد , عرض باراك على ياسر عرفات دولة فليسطينية مكونة من غزة , و 94% من الالضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية , ياسر عرفات رفض هذا العرض ... وقال الرئيس الأمريكي كلينتون عن اللقاء أن عرفات بقي 14 يوماً وقال لأ لكل المقترحات الإسرائيلية . في عام (2008م) حاول الجانب الإسرائيلي مرة أخرى وأضاف أراض جديدة لمقترح إيهود براك , ورفض محمود عباس هذا العرض .

في الخمسين عاماً الماضية ضاعفت إسرائيل عدد سكانها 10 أضعاف , إنتاجها الزراعي 16 ضعفاً , وإنتاجها الصناعي 50 ضعفاً وخفضت إستهلاكها للمياه بنسبة 10% ! في قلب جامعات إسرائيل تتحرك مظاهرات تدافع عن فلسطين ولا يتم المسام  بها إحتراماً لحرية التعبير ... بينما يغرق المسلمون في الفساد والقمع , بل إن أي مسلم ستكون حياته أكثر كرامة في داخل إسرائيل من أوطان تقمع بإسم الدين أو بإسم العسكر أو بإسم الدين والعسكر معاً كما هو الحال في السودان . وهنا أنا لا أدافع عن جرائم إسرائيل البشعة في حق الفلسطينيين ... ولكن لا بد أن نتساءل ونحن نحدد موقفنا من إسرائيل والقضية الفلسطينية , لماذا نحن ناقمون على إسرائيل ؟ وما هي أهدافنا المرجوة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ؟ هل سينتهي عداؤنا مع إسرائيل إذا إلتزمت بقرارات الأمم المتحدة الذي شددت عليه الدول العربية في إعلان عمان ؟ هل ستنتهي حربنا معهم إذا توقف القتل والإستيطان ؟ هل يحق لهم أن تكون لهم دولة خاصة أم أن هدفنا هو محوهم من الوجود ؟ وحتى إنت إنتهت دولة إسرائيل ... ما هو تصورنا لليهود في دولة فلسطين , هل يحق لهم ممارسة شعائرهم الدينية والدعوة لدينهم ؟ هل يحق لهم بعد سنوات الحصول على الجنسية الفلسطينية ؟ هل يحق لهم المشاركة في سن القوانيين التي ستسري عليهم وتعديلها ؟

إن إسرائيل رغم ما تبدو علبه كدولة ديمقراطية عادلة إلا أنها في الصميم أو في العمق دولة دينية , في النصوص المقدسة في الديانة اليهودية مثل التورتة والتلمود يذكر لفظ gentile ... وهو الإشارة الى غير اليهود , والديانة اليهودية تصف غير اليهود بأنهم ليسوا بشراً بل هم حيوانات ويجوز قتلهم ,  إن إرهاب إسرائيل ينطلق من إعتقاد ويقين أن اليهود أصحاب حق إلهي في هذه الأرض وأنه يجب أن يبقوا فيها ويدافعوا عنها في جهاد مقدس كما يرى الإسلامويون أن المسلمين أصحاب حق إلهي في أرض الخلافة وسائر هذا الكوكب ويجب أن يدافعوا عن هذا الحق ... لماذا يحق للإسلامويين إقامة دولة للمسلمين ولا يحق للصهاينة إقامة دولة لليهود ؟! ... إن الثيوقراطيين الإسلاميين يشاركون الصهاينة في الإعتقاد بحق إلهي وجهاد مقدس دفاعاً عنه , وهذه هي نفس دوافع الإرهاب الصهيوني سواء كان يهودياً أو إسلامياً .

هناك من يحارب الطاغية ليحارب الطغيان , وهناك من يحارب الطاغية ليصبح الطاغية الجديد ... لذا فالهدف الحقيقي وراء من أسميهم بالصهاينة الإسلامويين (دعاة الخلافة) هو أنهم يغارون من إسرائيل ولا يعارضون ما تفعله من ناحية المبدأ , فهم لا يحاربون الإحتلال الإسرائيلي رفضاً للإحتلال ولكن الخلافة وحدها هي من تحتل (حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب نغزوهم ولا يغزوننا. فتح الباري في شرح صحيح البخاري باب المغازي) , هم لا يرفضون إسرائيل كدولة دينية لليهود رفضاً للدولة الدينية ... ولكن المسلمون وحدهم هم من يحق لهم إقامة دولة دينية , لذا قبل أن نرفض تصرفات إسرائيل لا بد أن نسأل أنفسنا سؤالاً , هل نحن ضد تصرفات إسرائيل من حيث المبدأ أم أننا نرفض الصهيوني اليهودي دعماً للصهيوني الإسلامي والنازية الإسلامية المقدسة ؟

السلفية والصوفية في السودان

السمة الرئيسية للتيار الأصولي سواء كانوا سلفية أو أنصار سنة أو دواعش هو إنتقاد الصوفية وإتهام المتصوفين بالكفر والإبتداع , في إجازتي السنوية لعام 2017 أتيت في زيارة الى السودان , قابلت أحد أصدقاء أخي الصغير عندما أتى لزيارتنا وكان يرتدي جلباباً ويضع حول رأسه مسبحة كبيرة ... سألته : هل أصبحت صوفياً ؟ فأجاب بالإيجاب , سألته عن إنتماءه لطريقة وولاءه لشيخ معين وإعتقاده أن شيخه له كرامات أو معجزات فأجاب : أنا أذهب الى مسجد طريقة للذكر ولكني لا أنتمي لطريقة أوشيخ ولا أعتقد في مقدرة أي كان على إجتراح المعجزات ... أنا صوفي لأني أحب الذكر وحلقات الذاكرين .

لو قمنا بدراسة على غرار كتاب الموجة الثالثة لصموئيل هنتنجون للعوامل التي ستقرب أو ستبعد السودان أو أي بلد ذو غالبية مسلمة من الدولة الديمقراطية لوجدنا أن إنتشار الإسلام الصوفي سيجعل الإنتقال أو التحول الديمقراطي أسهل بعكس الإسلام الثيوقراطي أو الداعشي , فالصوفي لا مشكلة له مع مفهوم الوطن والدولة الوطنية ولا يرى في فهمه الغنوصي للدين أن الإله حاكم ينازع الإنسان أو جلاد لا يرضى إلا بقطع الأيادي وجلد الظهور والرجم بالحجارة حتى الموت ... ومن الطبيعي والمتوقع أن يحارب دعاة الخلافة الصوفية بجمهورها العريض , فكل ما إنتقل الناس الى الصوفية كلما قل عدد المنتمين الى حزب الدواعش وكلما كانت الغالبية صوفية كلما إقتربنا من دولة المواطنة الديمقراطية التي تساوي بين المواطنين في الوطن الواحد على إختلاف أديانهم والعياذ بالله ! وهنا أنا لا ألمح أن إنتشار الصوفية هي الحل للسودان أو أنحاز الى الصوفية دون غيرها , فالطرق الصوفية في السودان قد دعمت حكم البشير الديني العسكري الديكتاتوري مراراً وتكراراً حتى أن أولاد البرعي أعطوا عباءة أبيهم الشيخ البرعي إحتراماً وتبجيلاً لعمر البشير الموصوف تخفيفاً وتأدباً أنه مجرم حرب , ما أقصده هو أن أهم خطوة تحتاجها المجتمعات ذات الغالبية المسلمة للوصول الى دولة حقوق الإنسان هو إنتشار التيارات الإسلامية التي تنظر الى الدين كمصدر للمعنى وعلاقة مع الإله لا كأيدلوجيا سياسية لا بد من تطبيقها بالعنف وللإله كقائد عسكري لا بد من خوض معاركه وسحق أعداءه وتحقيق رغباته ... وهذه الصفة لا تنحصر على الصوفية , منهم تيار القرآنيين الذي يسعدني جداً أنه بدأ يزداد قوة وإنتشاراً في السودان وكذلك ظهور مقالات ومؤلفات لكتاب ومؤلفين يصفون أنفسهم بأنهم معتزلة أو أنهم إمتداد للتيار الإعتزالي .

ولكن مع الأسف فإن محاربة السلفية في السودان تتم عبر تبني الخطاب السلفي , فمثلاً في عدة مناظرات بين السلفية والصوفية في السودان يبدأ السلفية بخطابهم المعتاد أن الصوفية أصحاب بدع وخرافات وقال الشيخ فلان كذا وفعل الشيخ فلان كذا , فيصعقني الرد من التيار الصوفي ! الصوفية يردون على السلفية بأنهم يتبعون إبن تيمية المجسم وبالتالي هم المبتدعون ! ويستدلون بحديث أن النبي قد رأى الله على هيئة شاب أمرد ... ثم حين يبرر السلفية أن هذا منام وحديث صححه بعض الأئمة وضعفه آخرون وأن إبن تيمية لا قداسة له يردون بالهجوم على الصوفية بالرقصات التي يقومون بيها أثناء الذكر , فيرد عليهم الصوفية بتأصيل ذلك بحديث ! أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأ أبو الحسن علي بن محمد المصري ثنا عبد الله بن محمد بن أبي مريم ثنا أسد بن موسى ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي وغيره عن أبي إسحاق عن البراء قال : ( أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة أيام في غمرة القضاء ، فلما كان اليوم الثالث قالوا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن هذا آخر يوم من شرط صاحبك ، فمره فليخرج ، فحدثه فقال : نعم ، فخرج . قال أبو إسحاق : وحدثني هانئ بن هانئ و هبيرة بن يريم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : فاتبعتهم ابنة حمزة تنادي : يا عم ، يا عم ، فتناولها علي رضي الله عنه فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام : دون ابنة عمك ، فحملتها ، فاختصم فيها علي و زيد بن حارثة و جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم ، فقال علي رضي الله عنه : أنا أخذتها وبنت عمي ، وقال جعفر : بنت عمي وخالتها عندي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها ، وقال : الخالة بمنزلة الأم ، وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا ، وقال لجعفر أنت أشبههم بي خلقاً وخلقاً ، فجعل وراء حجل زيد ، ثم قال لي : أنت مني وأنا منك ، فحجلت وراء حجل جعفر . قال : وقلت للنبي صلى الله عليه وسلم ، ألا تتزوج بنت حمزة قال : إنها ابنة أخي من الرضاعة . حديث رواه الإمام البيهقي في سنن البيهقي الكبرى وفي مسند الإمام أحمد وفي كتاب الإحياء للإمام الغزالي , والحجل هو القفز على رجل واحدة . نلاحظ من هذا الحوار أعلاه الذي كنت شاهداً عليه مرات عدة في نقاشات السلفية والصوفية هو أن خطاب الصوفية في الرد على السلفية خطاب سلفي بإمتياز ! به من التبديع والتأصيل ما لا يقدر عليه إلا السلفيين ... فتصبح الصوفية سلفية جديدة ويصبح النقاش في الشؤون الدينية خطاباً سلفياً بثقافة سلفية , إن ما أتمناه من كل التيارات التي تتحدى الأصوليين وتحاججهم فكرياً أن لا يقعوا في فخ السلفية وينجروا إلا ملعبهم الذي لا مكان فيه إلا للتأصيل والتكفير , بل أن يكون الرد عليهم بأنه التيارات العقلانية التجديدية التي لا ترى العالم مكان حرب بين المسلمين والكفار ولا ترى الإله جنرالاً عسكرياً مهووساً بالسلطة هي التيارات التي ستجلب السلام وتحقق مصلحة الإنسان , ولا يمكن لشخص يحترم إلهه أن يعتقد أن ربه ضد السلام وضد مصلحة الإنسان ... والمعركة هنا فلسفية والإستدلال هنا منطقي لا أن تجعل الأموات يحكمون ويحاكمون الأحياء .

الشباب والتطرف

لماذا ينضم الشباب الى المتطرفين ؟ سؤال لا بد لنا من وقفة شجاعة وأن نجيبه إجابة واضحة وشاملة بلا أعذار ودون دفن للرؤوس في الرمال , فلو سألنا مثلاً لماذا إنضم عدد مهول من الشباب والشابات المسلمين الى داعش لا يمكن أن نحتج بالفقر أو الجهل ... فعدد كبير منهم جاء متعلماً تعليماً جامعياً ومن دول العالم الأول , والإجابة لا تقتصر فقط على الأيدلوجيا الجهادية التي تنشرها مناهج المدارس وخطب المساجد ... لا بد من دراسة متعمقة تنظر الى القضية بمختلف أبعادها , Erin Marie Saltman قامت بتقديم محاضرة على موقع Ted بعنوان : لماذا ينضم الشباب الى المجموعات العنيفة المتطرفة , تذكر في محاضرتها (موضوع رسالة دكتوراة) أن عملية تحول شخص ما إلى متطرف تحكمها عوامل جذب ودفع push and pull , عوامل تدفعك بعيداً عن مجتمعك وتجذبك الى الجماعات المتطرفة ... من العوامل التي تخلق هوة بينك وبين مجتمعك هو الإحساس بالغرابة والوحدة والأزمة في الهوية والإحساس أن المجموعة التي تنتمي إليها تحت الهجوم أو مهددة بالخطر , بينما العوامل التي تجذبك الى الجماعات المتطرفة هي الإحساس بالإنتماء الى مجموعة والهدف المشترك وإعطاء إحساس بالقوة والمغامرة حيث يكون الإنضمام الى هؤلاء مغامرة خطرة لا يخوضها إلا الأبطال . والصفة الرئيسية التي تجمع كل المتطرفين هي تبسيط العالم والتاريخ بكل تعقيداته والعوامل المؤثرة فيه وتحويله الى لونين : أبيض وأسود , أبطال وأشرار , ومن لم يكن معك فهو عدوك , وأنت كبطل فإن موقفك الطبيعي هو محاربة الشر والأشرار في المعركة التي لا مفر منها .

إن مقاومة هذا التحول الى التطرف يتطلب منا أن نقطع كل السبل والوسائل التي تؤدي الى التطرف , نحتاج أن نتناقش بهدوء وبعمق وبوعي عن هويتنا والى أي مجموعة ننتمي , هل ننتمي الى الإنسانية جمعاء أم ننتمي الى جانب في حرب دينية لا تنتهي ؟ لا بد أن نثقف شبابنا وأن يعرفوا واقعهم وتاريخهم ليروا العالم نسبياً بكل ألوانه , لا بالأسود والأبيض ... لا بد لشبابنا حين يتناقشون في شأن الدين أن يستصحبوا معهم الفكر والتاريخ والفلسفة لا أن يدفنوا رؤوسهم في صفحات صحيح البخاري مستغنين به عن ما سواه .

أكتب لكم هذ المقال وقد إرتفعت الأصوات التي تتاجر بالقضية الفلسطينية وتروج للعنف مراراً وتكراراً خصوصاً بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها الى القدس , أكتب وكلي أمل أن يفضح مقالي تاريخ هؤلاء الدواعش ... هم ليسوا بمحررين ولكنهم محتلون , يطردون المحتل الديكتاتوري لتحل الديكتاتورية الدينية وليست الديمقراطية , وحرب هؤلاء ليست مع أمريكا أو مع إسرائيل بل مع العالم أجمع , آن الأوان أن نسأل نفسنا بصدق : من نحن وماذا نريد ؟ هل نريد المسجد الأقصى ليدخله المسلمون بلا شرط وقيد أم نريد إحتلال العالم ؟ هلى نعترف بحق اليهود في حائط المبكى وحق المسيحيين في كنيسة القيامة ؟ هل نحن دعاة تعايش وسلام مع من خالفنا أم نحن دعاة حرب وإحتلال بصك وتصريح من مقدساتنا ؟

أترك الإجابة لكم اعزائي القراء

د.ياسر ضحوي
كوكب الأرض


14 ديسمبر 2017 م

No comments:

Post a Comment