Saturday, December 3, 2016

تاريخانية الشريعة وتهافت تطبيق الحدود

في أي نقاش بيننا نحن الدعاة الى العلمانية وبين الإسلامويين والمدافعين عن ما يسمى بالحكم الإسلامي لا بد أن يأتي ذكر الشريعة الإسلامية وتطبيق الحدود الإلهية , فالتصور العلماني لدولة لا تمارس التمييز الديني وتفصل الشأن العام عن الخاص وتجعل الشأن العام شأناً عقلياً لا مكان فيه للقداسة لا بد أن يصطدم بالتصور الإسلامي للدولة التي تطبق القوانين الإلهية المتفوقة على أي قانون بشري . وتختلف المواقف من الشريعة بين من ينادي بتطبيقها دون جدال وأن الحكمة منها خارج نطاق إدراك العقل وبين من يحاول البرهنة على تفوق الحدود على غيرها من القوانين منطقياً وإحصائياً وبين من يحاول أن يستخرج معان أخرى من النص ليثبت أن النص يشمل حتى القوانين الحديثة ولا يتعارض معها ... المؤكد أنه في ظل قطاعات واسعة تتبنى الإسلام هو الحل وقد تشربت المطالبة بتطبيق الشريعة من التعليم والإعلام الإسلاموي فلا بد لنا أن نناقش قضية الشريعة والحدود إذا أردنا التحول من الدولة الدينية الى الدولة العلمانية . ومناقشة المطالبات بإقامة الحدود ليس بالأمر الهين , فنقطة البداية هي أن نعرف فلسفة الدولة وموقع الإنسان منها وموقع الدين منها والنظر الى القانون كعلم وتاريخ ومدارس لا كنصوص دينية ... ولكني في هذا المقال سأناقش تاريخ الشريعة والحدود والبيئة الثقافية والإجتماعية التي أنجبتهما  , وهنا لن اناقش النصوص الدينية أو أحاول إستنباط أحكام أو معان منها ... بل سننظر الى تاريخ الشريعة نظرة عقلانية لنصل الى إجابة سؤال مهم : هل الشريعة والحدود قانون إلهي صالح لكل زمان ومكان أم لا ؟



البداية مع كتاب : الشريعة الإسلامية نظرة تاريخية للكاتب بسام خوري , في البداية يتحدث الكاتب عن الأديان قبل الإسلام في الجزيرة العربية , ونبدأ من ما كتبه الكاتب عن الصابئة ... والصابئة في الكتب الإسلامية هم عباد الكواكب , وقد قسمهم الشهرستاني الى أقسام : أصحاب الكواكب وأصحاب الروحانيات وأصحاب التجسد

 .ﺃﻣﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ  :ﺇﻥ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺻﺎﻧﻌﺎً، ﻓﺎﻃﺮﺍً، ﺣﻜﻴﻤﺎً، ﻣﻘﺪﺳﺎً ﻋﻦ ﺳﻤﺎﺕ ﺍلحدﻭﺙ. ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺟﻼﻟﻪ.
ﻭﺇنما ﻳﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎلمتوﺳﻄﺎﺕ ﺍلمقربين ﻟﺪﻳﻪ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﻮﻥ المطهرﻭﻥ ﺟﻮﻫﺮﺍً وحالة  ﻭﻓﻌﻼ . ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ  :ﺇﻥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺃﻣﺜﺎﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻭﺃﺷﻜﺎﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻳﺸﺎﺭﻛﻮﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺍلماﺩﺓ، ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ مما ﻧﺄﻛﻞ ﻭﻳﺸﺮﺑﻮﻥ مما ﻧﺸﺮﺏ، ﻭيماﺛﻠﻮﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻓﻤﻦ ﺃﻳﻦ ﻟﻨﺎ ﻃﺎﻋﺘﻬﻢ، ﻭﺑﺄﻳﺔ ﻣﺰﻳﺔ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻟﺰﻣﺖ ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻬﻢ (الملل ﻭﺍﻟﻨﺤﻞ ﺝ2 -  في أصحاب ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ) . ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺇﻧﺎ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﻓﻲ معرفة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﻃﺎﻋﺘﻪ، ﻭﺃﻭﺍﻣﺮﻩ، ﻭﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺘﻮﺳﻂ؛ ﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ المتوﺳﻂ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﻭﺣﺎﻧﻴﺎً ﻻ ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﺎً؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺰﻛﺎﺀ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ؛ ﻭﻃﻬﺎﺭﺗﻬﺎ؛ ﻭﻗﺮﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺭﺏ ﺍﻷﺭﺑﺎﺏ، ﻭالجسماني ﺑﺸﺮ ﻣﺜﻠﻨﺎ" ﻳﺄﻛﻞ مما ﻧﺄﻛﻞ، ﻭﻳﺸﺮﺏ مما ﻧﺸﺮﺏ؛ يماثلنا ﻓﻲ ﺍلماﺩﺓ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭﺓ"؛ ﻗﺎﻟﻮﺍ"  :ﻭﻟﺌﻦ ﺍﻃﻌﻤﺘﻢ ﺑﺸﺮﺍً ﻣﺜﻠﻜﻢ ﺇﻧﻜﻢ ﺇﺫﺍً لخاﺳﺮﻭﻥ." .(1/72 الملل ﻭﺍﻟﻨﺤﻞ)

ﻭﺃﻣﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻬﻴﺎﻛﻞ ﻭﻫﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻬﺮﺳﺘﺎﻧﻲ ﺧﺎﺭﻭﺟﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻓﻴﻬﻢ"  :ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺎﺕ لما ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺘﻮﺳﻂ، ﻭﻻ ﺑﺪ ﻟﻠﻤﺘﻮﺳﻂ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ؛ ﻓﻴﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﺘﻘﺮﺏ ﺑﻪ، ﻭﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻨﻪ ...ﻓﺰﻋﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻴﺎﻛﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ السيارات السبع ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻭﻣﻨﺎﺯﻟﻬﺎ فتعرفوا ﺃﻭﻻ بيوتها ومنازلها ، ﻭﺛﺎﻧﻴﺎً ً مطالعها ومغاربها ؛ ﻭﺛﺎﻟﺜﺎً ﺍﺗﺼﺎﻻﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍلموافقة ﻭﺍلمخاﻟﻔﺔ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﺎ، ﻭﺭﺍﺑﻌﺎً ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻭﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺧﺎﻣﺴﺎً ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺍﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻭﺍﻷﻣﺼﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ (الملل ﻭﺍﻟﻨﺤﻞ 1/104)

ﻭﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻫﻢ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺘﺠﺴﺪ ﺃﻭ ﺍلحرﺍﻧﻴﺔ ﻭﻫﺆﻻﺀ ﻗﺎﻟﻮﺍ"  :ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍلمعبوﺩ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻛﺜﻴﺮ  :ﺃﻣﺎ ﻭﺍﺣﺪ؛ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺬﺍﺕ،، ﻭﺍﻷﻭﻝ، ﻭﺍﻷﺻﻞ، ﻭﺍﻷﺯﻝ .ﻭﺃﻣﺎ ﻛﺜﻴﺮ؛ ﻓﻸﻧﻪ يتكثر بالأشخاص في رأي العين ﻭﻫﻲ ﺍلمدبرﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﻭﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ : ﺍلخيرﺓ ﺍﻟﻌﺎلمة، وﺍﻟﻔﺎﺿﻠﺔ؛ ﻓﺈﻧﻪ
ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻬﺎ، ﻭﻳﺘﺸﺨﺺ ﺑﺄﺷﺨﺎﺻﻬﺎ، ﻭﻻ ﺗﺒﻄﻞ ﻭﺣﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ .ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ  :ﻫﻮ ﺃﺑﺪﻉ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ، ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺪﺑﺮﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻭﻫﻢ ﺍﻵﺑﺎﺀ، ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺃﻣﻬﺎﺕ، ﻭﺍلمرﻛﺒﺎﺕ ﻣﻮﺍﻟﻴﺪ .ﻭﺍﻵﺑﺎﺀ ﺃﺣﻴﺎﺀ ﻧﺎﻃﻘﻮﻥ، ﻳﺆﺩﻭﻥ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ؛ ﻓﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﺃﺭﺣﺎﻣﻬﺎ، ﻓﻴﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍلموﺍﻟﻴﺪ .ﺛﻢ ﻣﻦ ﺍلموﺍﻟﻴﺪ ﻗﺪ ﻳﺘﻔﻖ ﺷﺨﺺ ﻣﺮﻛﺐ ﻣﻦ ﺻﻔﻮﻫﺎ ﺩﻭﻥ ﻛﺪﺭﻫﺎ ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﻣﺰﺍﺝ ﻛﺎﻣﻞ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ؛ ﻓﻴﺘﺸﺨﺺ ﺍﻹﻟﻪ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ (ﺍلملل ﻭﺍﻟﻨﺤﻞ 1/107)

تشريعات الصابئة

أما الصابئة ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺼﻮﻡ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻭﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓ، ﻭﻳﻌﻈﻢ ﻣﻜﺔ، ﻭﻳﺤﺠﻮﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻛﻞ ﻋﺎﻡ، ﻭﻳﺤﺮﻣﻮﻥ ﺍلميتة ﻭﺍﻟﺪﻡ ﻭﺍلخنزﻳﺮ، ﻭﻳﺤﺮﻣﻮﻥ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﺤﺮﻣﺎً (ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻷﺭﺏ - ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺼﺎﺑﺌﺔ) ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺼﺎﺑﺌﻮﻥ ﻳﺼﻠﻮﻥ ﺛﻼﺛﺔ ﺻﻠﻮﺍﺕ ﺇﻻ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻠﻮﺍﺗﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﻛﺄﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﺍﻵﻥ ﻭﻳﻐﺘﺴﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺍلجناﺑﺔ، ﻭﻣﻦ ﻣﺲ ﺍلميت، ﻭﻳﺤﺮﻣﻮﻥ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻜﻠﺐ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻪ ﻣﺨﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻴﺮ، ﻭﻳﻨﻬﻮﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﺍﺏ ﻭﻳﺄﻣﺮﻭﻥ ﺑﺎﻻﺧﺘﺘﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺑﻮﻟﻲ ﻭﺷﻬﻮﺩ، ﻭﻻ ﻳُﺠﻴﺰﻭﻥ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺇﻻ ﺑﺤﻜﻢ ﺣﺎﻛﻢ، ﻭﻻ ﻳﺠﻤﻌﻮﻥ بين إمرأتين (ﺍلملل ﻭﺍﻟﻨﺤﻞ ﺝ1 - ﻓﺼﻞ ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺼﺎﺑﺌﺔ ﻭﻫﻴﺎﻛﻠﻬﻢ) ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺷﺮﺍﺋﻌﻬﻢ ﺭﺟﻢ ﺍﻟﺰﺍﻧﻲ ﺍلمحصن ، ﻭﻗﻄﻊ ﻳﺪ ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﺍﻟﻴﻤﻨﻰ، ﻭﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ .

قد تفاجأون اعزائي القراء من التشابه بين تشريعات الصابئة والتشريعات الإسلامية , هل تشريعات الصابئة منتوج عقلاني وافق المشيئة الإلهية أم ان الصابئة قد بعث اليهم نبي لا نعرفه ؟ واذا توافق وحي ذلك النبي مع وحي الرسول فلماذا خالف وحيهما الشريعات السابقة للأديان الرسالية ؟ قد تتضح لنا الصورة اكثر حين نبحث في الالتراث التشريعي قبل الإسلام

التراث التشريعي قبل الإسلام

حين نبحث في تاريخ التشريع قبل الإسلام فإننا نجد أن هذا التراث وضهع من يسمونه بحكماء العرب , وهم أسماء لامعة كان لها الأثر البالغ في حياة العرب قبل الجاهلية وتشريعاتهم , مثل كعب بن لؤي وهو أول من جمع العرب يوم الجمعة ليتدبروا شؤونهم وقصي بن كلاب الذي كانت العرب لا تعقد حلفاً ولا تجارة الا في بيت قصي في دار الندوة .

ونبدأ مع أكثم بن صيفي وﻫﻮ ﺃﻛﺜﻢ ﺑﻦ ﺻﻴﻔﻲ ﺑﻦ ﺭﺑﺎﺡ، ﻗﻴﻞ ﻓﻲ ﻛﻨﻴﺘﻪ ﻭﻛﻴﻨﻮﻧﺘﻪ الكثير ،  ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ ، ولعل ﺃﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﻧﻘﺪﻣﻪ ﺑﻪ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻳﺤﻤﻞ ﺍﺳﻤﻪ ﻭﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺃﻗﻮﺍﻟﻪ، ﻓﻘﺪ ﺟﺎﺀ ﻓﻴﻪ  :ﻭﻗﺪ ﺃﺟﻤﻌﺖ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪيمه ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ المشاﻫﻴﺮ ﺣﻴﺚ ﺟﻌﻠﻪ ﺍلجاﺣﻆ ﺭﺃﺱ الخطباﺀ ﻭالمقدﻡ ﻓﻴﻬﻢ (ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻭﺍلتبيين 365:1)  ﻭﻟﻘﺒﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺭﺑﻪ وغيره ﺑﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻌﺮﺏ (ﺍﻟﻌِﻘﺪ 2:87) ﻭﻭﺻﻔﻪ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ بأنه ﻃﺒﻴﺐ ﺍﻟﻌﺮﺏ، ﻭﻟﻌﻠﻪ ﻣﺠﺎﺯ ﺃﻭ ﺗﺼﺤﻴﻒ ووصفه ﻏﻴﺮﻫﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺎﺿﻲ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻓﻲ ﺍلجاﻫﻠﻴﺔ (ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍلمعاﺭﻑ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ 4:150) ، ﻭﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺣﻜﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻮﻟﺪ ﻟﻠﻔﺮﺍﺵ (ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ 73)

ونذكر ذو المجاسد عمار بن جشم في الميراث , فالعرب لم تكن تورث البنات حتى قرر عمار توريثهن على أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين ومثل حكم عامر بن الظرب العدواني في الخنثى (المفصل 5:480)

ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺗﺒﻌﻬﺎ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻗﺒﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﻭﺍﺿﻌﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺻﻠﺐ ﻗﺎﻃﻊ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﻭ ﻣﺎ ُﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺤﺪ ﺍلحرﺍﺑﺔ , وقد صلب النعمان رجلاً ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎﻑ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻄﻊ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ (المفصل 5:585 , 608 , المحبر) ومثل ﺣﻜﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﺎﺕ ﻓﺄﻭﻝ ﻣﻦ ﺣﻜﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺑﻞ ﻫﻮ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻇﺮﺏ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻧﻲ (ﺍﻹﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻷﺻﺤﺎﺏ 1/247) ﻭﺟﺮﺕ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺶ والعرب مائة من الإبل ﻭﺃﺧﺬﻫﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ (ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﺑﻦ سعد 2:89) ﻭﺣﻜﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺧﻤﺴﻮﻥ ﻧﻔﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻬﻢ ﺩﻡ ﺻﺎﺣﺒﻬﻢ إذا وجدوه قتيلاً بين ﻗﻮﻡ ﻭﻟﻢ ﻳُﻌﺮﻑ ﻗﺎﺗﻠﻪ ً ، فإن لم ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ خمسين ﺃﻗﺴﻢ ﺍلموﺟﻮﺩﻭﻥ حمسين يميناً  ولا ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﻢ ﺻﺒﻲ ﻭﻻ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﻻ ﻣﺠﻨﻮﻥ ﻭﻻ ﻋﺒﺪ , أو ﻳُﻘﺴﻢ ﺍلمتهموﻥ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻋﻨﻬﻢ .ﻓﺈﻥ ﺣﻠﻒ المدعون إستحقوا الدية  ﻭﺇﻥ ﺣﻠﻒ ﺍﳌﺘﻬﻤﻮﻥ ﻟﻢ تلزمهم الدية (المفصل 5:605) ﻭﻗﺪ ﺃﻗﺮ ﺍﻹﺳﻼم  ﻫﺬﺍ ﺍلحكم ، ﻓﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺃﻗﺮ ﺍﻟﻘﺴﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍلجاﻫﻠﻴﺔ (ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ، ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻨﻮوي  4:231) ،

واما حد السرقة فيذكر جواد العلي أن قريشاً كانت تقطع يد السارق قبل الإسلام , وهناك إختلاف حول من بدأ هذا التشريع ... هل هو عبد المطلب أم وليد بن المغيرة (المفصل 5:605)

 ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻘﻤﺎﺭ ﻓﻲ ﺍلجاﻫﻠﻴﺔ ﺍﻷﻗﺮﻉ ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ ﺍﻟﺘﻤﻴﻤﻲ؛ ﺛﻢ ﺟﺎﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺘﻘﺮﻳﺮﻩ. ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺭﺟﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻧﺎ ﻓﻲ الجاﻫﻠﻴﺔ ﺭﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﺣﺪﺍﻥ؛ ﺛﻢ ﺟﺎﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺘﻘﺮﻳﺮﻩ ﻓﻲ ﺍلمحصن. ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ﻓﻲ ﺍلجاﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﺍﳌﻐﻴﺮﺓ، ﺛﻢ ﺟﺎﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺘﻘﺮﻳﺮﻩ (صبح الأعشى 1/178)

ﻭﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﺍﻟﻔﻜﺎﻫﻲ"  :ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﺍﳌﻐﻴﺮﺓ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺧﻠﻊ
ﻧﻌﻠﻴﻪ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﻓﺨﻠﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻧﻌﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺃﻭﻝ ﻣﻦ جلد في الخمر ﻓﺠﻠﺪ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ، ﻭﺃﻭﻝ ﻣﻦ قطع في السرقة في الجاهلية ﺛﻢ ﻗﻄﻊ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ،  (5/251 أخبار مكة)  ﻭﻳﻨﺴﺐ ﻟﻠﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻣﻐﻴﺮﺓ ﺃﻧﻪ أول ﻣﻦ ﻗﻀﻰ ﺑﺎﻟﻘﺴﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺍلجاﻫﻠﻴﺔ (ﺷﺮﺡ ﻣﻨﻬﻰ الإرادات 11/60)

أما بخصوص التعزير فيعدد ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺟﻮﺍﺩ ﻋﻠﻲ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍنين  ﻓﻴﻘﻮﻝ  : ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀﺕ ﺑﻬﺎ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﺍلجاﻫﻠﻴﺔ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍلحدﻭﺩ ﻋﻠﻰ ﺍلجناﺓ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﻌﺰﻳﺮ، ﻭﻫﻮ ﺍلجلد، ﺟﻠﺪ ﺍلمخاﻟﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻻﺗﻜﻮﻥ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻪ ﺟﻨﺎﻳﺔ، ﺑﻞ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ، ﻭﻓﻲ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺑﺎﻟﺸﺘﻢ ﻭﺍﻟﺴﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﺵ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ .ﻭﻋﻘﻮﺑﺔ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﺎﺕ ﻭﺗﻌﻮﻳﺾ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﻭﻋﻘﻮﺑﺔ ﻭﻋﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﻄﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ ، ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻋﻠﻰ ﺍلجناﻳﺎﺕ ﺍلمهمة وعقوبة الطرد من البيت ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍلمدينة ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻭﺍلخلع ﻭﺍﻟﺘﺒﺮﻱ ﻣﻦ الشخص والحبس في البيت ﻭﻋﻘﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻘﺼﺎص (المفصل , د. جواد العلي , 5:280)

يتضح لنا مما سبق أن ما نسميه شريعة إسلامية أو حدوداً ليس قانوناً ربانياً متجاوزاً لمجتمع الإنسان وثقافته , بل له جذور واسس اقامها رجال عاديون لم يأتهم وحي وليس لهم رسالة ... جاء الإسلام موافقاً للتشريعات التي سبقته وإختلف مع بعضها , وهنا يأتي السؤال : هل الوليد بن المغيرة والأقرع بن حابس ووالأكثم بن صيفي وعمار بن جشم أنبياء يوحى إليهم ؟ أم أن عقولهم إستطاعت أن تكتشف التشريع الإلهي وتتوصل اليه قبل نزوله وحياً ؟ وإذا كان العقل يستطيع أن يصل الى التشريع الأمثل دون وحي فما فائدة الوحي ؟ ولماذا يصر الأصوليون أن العقل لا يستطيع أن يدبر شؤون الإنسان دون وحي ؟ وإذا كان الوحي قد وافق إجتهادات هؤلاء فهل إرتأى الإله أن تشريعاتهم هي التشريع الأمثل وأنه مهما تطورت البشرية والإنسانية فإنها لن تأتي بأفكار وتشريعات خير من ما أتى به هؤلاء ؟ اسئلة تبحث عن إجابة

خرافة التشريع الموازي

يدعي دعاة الإسلام السياسي أنه في مقابل المدارس القانونية والقوانين والتشريعات البشرية التي وضعها الإنسان هناك تشريع وقوانين إلهية محكمة , لا تغادر صغيرة ولا كبيرة من شؤون الفرد والمجتمع المسلم وأنها متفوقة في كل النواحي على القوانين البشرية الوضعية , ما مدى صحة إدعائهم هذا ؟ للإجابة على هذا السؤال سنلجأ الى كتاب : في تاريخ التشريع الإسلامي ل ن.ج.كولسون , ونقتبس منه ما يلي :

وينسب لعلي بن أبي طالب أنه أفتى بالعول , وهو طروء النقص في الفروض التي خصصها القرآن للورثة عندما تزيد السهام عن أصل التركة , ففي المسألة المسماة بالمنبرية حين قاطع أحد علياً على المنبر سائلاً عن ما تأخذه الزوجة (فرضها الثمن) من مال زوجها الذي ترك بنتين (فرضهما الثلثان) وأباً (فرضه السدس) ... فأجابه قائلاً : يصير ثمن الزوجة تسعاويطرأ النقص بدوره على الجميع

وقد أفتى أبوبكر أول الأمر فيمن مات وترك أم أم وأم أب بذهاب التركة كلها لأم الأم وحدها , فإعترض عبد الرحمن بن سهل لأن الأم الأم إن ماتت لم يرثها ولكن أم الأب تورث بالتعصيب , فرجع أبو بكر عن ما قضى به وأشرك الجدتين في التركة بالتساوي

وعمر له موقف مماثل في المسألة الحمارية , حيث إجتمع على إرث متوفاة زوج وأم وإخوان لأم وأخوان شقيقان , فقضى عمر بأن يأخذ الزوج النصف والأم السدس والأخوين لأم الثلت , إعترض الأخوان الشقيقان لأنهما لم يرثا بعد إعطاء الفروض بسبب مزاحمة الأخوين لأم لهما في الميراث , فقسم عمر الثلث على الإخوة بالتساوي , وسميت المسألة بالحمارية لأن الإخوة قالوا : هب أن ابانا كان حماراً أو حجراً ملقى في اليم , السنا من أم واحدة

وأما حد شرب الخمر الذي ينادي به المتأسلمون ويحاولون إضفاء القداسة والإعجاز عليه فهو لا علاقة له بالقرآن أو السنة لا من قريب ولا من بعيد ! فشارب الخمر في عهد الرسول كان يضرب بالأيدي والنعال , ثم رآها أبو بكر أربعين جلدة , وقدرها عمر وعلي بثمانين قياساً على عقوبة القذف , فقد إستشار عمر في شارب الخمر فقال له علي أن يجلد ثمانين , فالشرب إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى إفترى , وحد المفتري ثمانين (الموطأ , مالك بن أنس , 526)

يسرد ن.ج.كولسون في كتابه المذكور اعلاه تاريخ التشريع الإسلامي من بداية عهد النبي والتغييرات التشريعية والقانونية التي أتى بها الإسلام مروراً بالخلفاء الراشدين والدولة الأموية والعباسية حتى تطبيق الشريعة في الزمن الحاضر , ويسلط الضوء على الإختلافات والتغيرات التي مرت بالتشريع الإسلامي بإختلاف الثقافة مع توسع البلاد الإسلامية والواقع السياسي , فيذكر حادثة لأحد القضاء في الدولة الأموية قد رفض شهادة صديق له يعلم صلاحه وتقواه لعدم توفر شرط العدالة فيه ! وذلك لأنه إشترى جارية كان مولعاً بها وبغناءها ! كان هذا هو التفسير الشخصي لذلك القاضي لمفهوم عدالة الشاهد , فهل هناك مفهوم رباني ؟ هل رفض شهادة شخص ما لعيب في شخصيته من وجهة نظر القاضي حتى لو كانت الشهادة صحيحة يؤدي الى إحقاق الحق ؟

إذا كان هناك تشريع الهي محكم صالح لكل زمان ومكان فلماذا اضطر الخلفاء للإفتاء في المسائل المذكورة اعلاه ؟ إذا كان علينا أن نترك كلام البشر ونتبع كلام الله والرسول فلماذا لم يتبع الخلفاء عقوبة الرسول في شارب الخمر ؟ هل لم تكن صالحة لكل زمان ومكان ؟

إشكالات إجرائية وأسئلة ملحة

قد يعترض أحدهم على اسئلتي المذكورة أعلاه ويحتج بكون أن هناك أوامر إلهية لا بد أن نتبعها وهناك ما هو مسكوت عنه ويمكن لنا أن نفكر فيها بأنفسنا , وهنا سؤال : ما مدى صحة هذا الإدعاء ؟

فمثلاً حد السرقة الذي يثبته الإسلامويون من القرآن فيه عدة أقوال , فقال عمر وعلي وعثمان وعائشة لا قطع إلا فيما قيمته ربع دينار فصاعداً , وابن عمر يقول 3 دراهم , وابن عباس يقول 10 دراهم , وأنس يقول 5 دراهم , وروي عن ابي هريرة وأبي سعيد الخدري : أن اليد تقطع في اربعة دراهم فصاعداً

ففي اي قيمة نقطع يد السارق ؟ ولماذا هذا الإختلاف في قانون الهي ؟ بل ان بعض الصحابة كان يلقن إنكار التهمة للمتهم ! منها عن أبي الدرداء أنه أتي بجارية سرقت , فقال لها أسرقت قولي لا . فقالت لا فخلى سبيلها ! وعن عمر أنه أتي برجل فسأله : أسرقت , قل لا . فقال لا فتركه (نيل الأوطار , الشوكاني , ج 7 ص 134)

فإذا كان تطبيق الحدود مشيئة إلهية وذا فائدة عظيمة ... لماذا كان الصحابة يجتهدون لكي لا يطبقوها ؟ لماذا يحاولون دائما أن لا تطبق قدر الإمكان كما هو واضح في الأمثلة المذكورة أعلاه ؟

والأدهى والأمر أن هناك أحاديث أخرى ذات علاقة بموضوع السرقة لو طبقت لجرت وبالاً وخراباً لا أول له ولا آخر , فقد ورد عن جابر أن رسول الله قال : ليس على الخائن , ولا على المختلس , ولا على المنتهب قطع (سنن الدارقطني 3:187) , وقد روى الدارقطني عن إبن عباس أن النبي قال : ليس على العبد ولا على أهل الكتاب حدود (الدارقطني 3:86)

فلو أردنا تطبيق السنة والشرع الإلهي سيفقد من سرق دينار يده وسيحتفظ بيده من إختلس ملايين الدنانير ! وكيف يمكننا في الدولة المدنية أن نضع قانوناً للمسلمين وقانوناً لغير المسلمين ؟ هل نأخذ منهم الجزية على أن تكون لهم محاكمهم وقوانينهم الخاصة ؟!

سيقول أحدهم أن الجرائم الغير مذكورة في الحدود يحكم فيها بالتعزير الذي قد يصل الى الإعدام , وهذا غير صحيح ... فهناك حديث يقول : لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله (متفق عليه , مشكاة المصابيح , تحقيق الألباني , رقم 3630)

وننتقل من حد السرقة الذي اختلفوا في مقدار ما تقطع اليد فيه الى حد الردة , تسألهم عن حد الردة فيقولون امر به الرسول واقامه , تسألهم مثالا فيذكرون الخمسة الذين قال فيهم النبي : أقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة , تسألهم لماذا عفي عن عبد الله بن أبي سرح , ففيقولون هو اساء للنبي وللنبي حق العفو عنه أما بعد موت النبي فلا عفو ... كلام هلامي غير محدد , فمنهم من يقول يقتل المرتد فوراً ومنهم من يستتيبه ثلاثة أيام ومنهم من هو أكثر من ذلك ! روى مسلم عن جابر أنه قال : أن أعرابياً بايع رسول الله , فأصاب الأعرابي وعك في المدينة فأتى النبي فقال : يا محمد أقلني من بيعتي , فأبى رسول الله , ثم جاءه فقال : أقلني من بيعتي , فأبى . ثم جاءه فقال أقلني من بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله : إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها وفي رواية البخاري فبايعه على الإسلام (صحيح مسلم , كتاب الحج , باب المدينة تنفي خبثهاج3 ص530 , صحيح البخاري , كتاب الحج , باب حرم المدينة , ج3 ص29)

ففي رواية مسلم هذه حالة ردة ظاهرة ولم يعاقب عليها الأعرابي أي عقاب , إن الإختلافات والتناقضات في موروثنا الديني ليست العقبة الوحيدة أمام تطبيق الشريعة وإقامة الحدود , فالواقع المغاير الذي نعيشه الآن عقبة ما بعدها عقبة ... فلو أردنا مثلاً أن نطبق الشرع الإلهي كما أنزل وقرأنا في سنن الدارقطني (3 : 172) عن إبن مسعود قال : دية الخطأ أخماساً , عشرون جذعة , وعشرون حقة , وعشرون بنات لبون , وعشرون بنو لبون ذكور , وعشرون بنات مخاض .

واسمحوا لي هنا بتساؤل : لماذا ندفع الدية بما يعادل قيمة المذكور اعلاه ولا ندفعه كما دفعها السلف الصالح الذي طبق شرع الله ؟ هل هناك قيمة قدروها بما سبق مذكورة في اية او حديث ؟ اذا كان هذا القانون صالحاً لكل زمان ومكان وليس وليد البيئة الرعوية لماذا لا نطبقه بحذافيره ؟ فيكون القاضي بعد ان يحكم ضليعاً خبيراً في التفريق بين الجذعة والحقة وبنت اللبون ؟! لماذا نسمح لتغير الواقع والظروف ان يغير في طريقة تعاملنا مع الجريمة والعقاب ؟ أو بالأحرى هل نستطيع أن نتجاوز الواقع ونتجاهل إحتياجاته ومتطلباته ؟

العقل الديني والمعضلة القانونية

ختاماً , إن أردنا تلخيص ما سبق وأن نضع يدنا على أصل المشكلة فإن الإشكال يكمن في تعامل العقل الديني (العقل المعتمد على النص دون سواه) مع القانون , فالعقل الديني لا يفرق بين النص الديني والنص القانوني لأنه لا يميز بينهما ... عندما نقرأ آية (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) , هل هذا نص تشريعي أم توجيه اخلاقي ؟ هل هو ملزم أو غير ملزم ؟ وإن كان ملزماً وخالفته ... ما هي العقوبة التي تترتب على ذلك ؟

ان العقل الديني في مواجهة العقل العلمي الذي يتعامل مع واقعه بنسبية ويتأقلم مع تغيرات واقعه ويتعامل مع العلم والواقع بشكل عقلاني ومحايد بعيداً عن العواطف اللاهوتية والأحكام المسبقة , ردة فعل العقل الديني انه يضخم الموروث اللاهوتي ليتحول الى علم مواز وقانون مواز ليثبت في عناد إستغناء العقل الديني عن اسلوب التفكير والبحث العلمي وإكتفاؤه بالنص , فيصبح التداوي بالعسل والحبة السوداء وبول البعير طباً موازياً ... ولا حوجة لنا بالعقاقير والفحوصات والعلميات ! ولكي يكون هذا الطرح المتهاوي مقبولاً فإن العقل الديني يطرح موروثه اللاهوتي بشكل مطلق يتجاوز ظروف البيئة والثقافة والمجتمع ... عندما تطالع حديثا في صحيح البخاري منسوب الى الرسول يقول : (وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها ... ) باب خلق آدم 3151

يمكننا بالإعتماد على الحديث اعلاه طالما أنه وحي الهي لا علاقة له بالظروف الثقافية والإجتماعية والعلمية التي عاشها الرسول ان نتجاهل كل ما له علاقة بالجينات والوراثة والسائد والمتنحي ونلقيه في سلة المهملات ! ومن اراد أن يشبهه ابناؤه فليسبق ماؤه !

ان الفهم والتقديس للدين في واقعنا الآن ليس وليد نظرة ناقدة وتفكير عقلاني , بل هو وليد التلقين والقهر ... إن إصطدام ما لقنونا له عن حيثيات تطبيق الدين على الواقع وإحتياجات الواقع التي تخالف ما أتى به الدين يجب أن ينتج نظرة شاملة متفحصة لواقعنا وتمحيصاً عميقاً لتراثنا اللاهوتي , وهذا يتطلب منا أن نتسائل تساؤلات أتمنى أن يحين الوقت ويكون تداولها والبحث عن إجابتها أمراً مباحاً لا جريمة تعاقب عليها الدولة ... اسئلة مثل : هل الحديث المذكور اعلاه وحي ؟ ما هو الوحي ؟ هل المعنى إلهي واللفظ إنساني ؟ هل عبر الرسول عن وحي الإله بلغته وثقافة عصره أم أن الوحي نزل باللغة العربية كما هو ؟ هل هناك معان محبوسة داخل تراكيب اللغة وفهمنا لهذه التراكيب في النص المقدس ؟ اسئلة قد احاول الإجابة عنها في مواضع أخرى ولا مجال لأستفيض فيها في هذا المقال .

واحد أكبر الأخطاء التي إرتطبها ويرتكبها العلمانيون حتى الآن هي الإعتراف بالعلوم الموازية التي انتجها تضخيم العقل الديني للنص ومحاولة تمرير الأجندة السياسية تحت غطاء القداسة ولا قداسة في السياسة , مصطلح إستخدمته أنا شخصياً في عدة مقالات وهو مصطلح الإسلام السياسي ... والحقيقة أن الإسلام لم يأت بسياسة أصلاً , فالإسلام لم يأت ببرلمان ولا نقابات , حتى دار الندوة كانت إختراعاً من الموروث الجاهلي أنجبته الحاجة , إن المهاجرين والأنصار حين إختلفوا حول الخلافة التي يدعي الإسلامويون أنها أصل ديني لم يذكروا آية ولا حديثاً في اختلافهم هذا ... حتى قال الأنصار : منا أمير ومنكم أمير , ان ما حدث في السقيفة وما تلى ذلك يثبت أن الدين ليس له أدنى تصور عن الوضع السياسي بعد وفاة الرسول , ناهيك عن احاديث تشترط ان يكون الخليفة من قريش ! هل أتى الإسلام ليفرض سلطة قريش على العالم ؟! هل نختار الرئيس لكفاءته أم لقبيلته ؟! ولكنه التضخيم الذي يمارسه العقل الديني الذي إستخرج من النص الديني نصوصاً ومفاهيم تشريعية وقانونية تمنع الإعتراض على الخليفة وتقر إمارة المتغلب جاعلاً الدين في خدمة الديكتاتور وأن الخنوع خير من التغيير وأن جنة الآخرة نشتريها بجهنم الدنيا .

ارجوا ان لا يظن احد من ما سبق أنني أطرح تطبيقاً إسلامياً جديداً , ولكن الماضويين قد أصموا أذاننا بالتمسك بما هو إلهي وترك ما هو بشري ... والحقيقة أنه لا أحد يستطيع وضع حد فاصل بينهما لأنه لا سلطة لأحد على النص , فالتأثير الإنساني موجود منذ شرائع الصابئة مروراً بتشريعات حكماء العرب وإنتهاءاً بإجتهادات الخلفاء وتجاوزهم لعقوبات طبقها الرسول , لو أتى الإسلام بتشريعات وخالفة تماماً ومصادمة للموروث التشريعي للجزيرة العربية ... هل سيلقى قبولاً ؟ هل سيقبل العرب ان تتساوى المرأة معهم أو أن يلغى الرق تماماً ؟ صحيح أن التشريعات الإسلامية نقلة إيجابية مثل العدة التي تصون للزوجة حقها وإحترامها بدل أن كانت تطرد فور طلاقها ... ومثل الإحسان الى العبيد والجواري , ولكن هل هذه النقلة هي منتهى ما يمكن أن تصل إليه البشرية ؟ هل الدين في خدمة الإنسان أم الإنسان في خدمة الدين ؟

إن لعنة التفكير الماضوي لا تؤثر على العقل الديني فحسب فتجعله يقرأ تراثه الديني بمعزل عن كل الملابسات والظروف التي انتجته ومر بها , بل تتمثل أيضاً في السلطوية الإسلامية التي تفرض طريقاً واحداً في التفكير ... فالسلطة يجب ان تخضع لمن يدعون أنهم أصحاب الفهم الصحيح للدين وتسلط السيف على من سواهم , ولن يعجز الإسلامويون في شرعنة هذه الديكتاتورية ونسبتها الى الإله . إذا كان القانون سيسري على الجميع فهذا يقتضي ان يكون للجميع الحق والحرية في وضع القوانين وتغييرها وتطويرها , وهنا لا أعني العقل الديني فحسب وإختلافات فهم النص الواحد , بل أعني أيضاً العقل العلمي الذي يتعامل مع القانون كعلم وبمعزل عن النص ... فهناك مواطنون ليسوا مسلمين ولديهم الحق في المشاركة في سن القوانين التي ستسري عليهم , ولذلك فإن البيئة السياسية الوحيدة التي ستفتح المجال لجميع العقول أن تفكر وتعبر عن فكرها من أجل مصلحة الإنسان دون التحيز لدين أو مذهب هي البيئة العلمانية .

2 comments:

  1. للأسف أستاذ ياسر ، كل المشروبات التي ذكرتها أنت عن المشرعين الجاهليين لا يصح منها شيء على الإطلاق..
    أطلب منك أدلة صحيحة وفق معايير الموثوقية التاريخية والعلمية.

    ReplyDelete