Saturday, September 1, 2018

القانون المثالي , ما هو ؟ إسلامي أم علماني ؟


إهداء

أهدي هذا المقال الى روح شهيد الفكر والكلمة د. فرج فودة المتمثلة في إرثه الذي تركه لنا , لا زلنا أحفادك وعلى دربك ... لا زلنا نحارب أحفاد حسن ابنا ... وسنظل نحاربهم ... حتى ننتصر .


سيلاحظ كل من كان يتابع مقالاتي ويقرأ لي أن هذا المقال مختلف في فكرته عن أسلوب كتابتي الذي تعودتموه , ففي مقالاتي السابقة ابدأ دائماً بمعضلة أو تساؤل ثم الجاً الى عدة مصادر لأصل الى نتيجة أو حل من وجهة نظري الشخصية , لكن هذا المقال الذي أحاول أناقش فيه قضية القانون وكيف نصل الى الصيغة المثلى للقانون الذي يجب أن نطبقه و نتحاكم عليه يحتاج مقاربة مختلفة ...

إن المأساة الحقيقة التي تواجه المجتمع السوداني خصوصاً والمجتمعات المتأسلمة التي ترفض العلمانية لصالح الإسلام السياسي عموماً هي بساطة التفكير ... وهذه البسساطة في التفكير ليست وليدة صدفة , بل هي نتاج تجهيل وتغييب ممنهج . إن بساطة المقدمات تؤدي الى بساطة النتائج مهما كانت طريقة الإستنتاج ... فعندما تناقش أحد مؤيدي الإسلام السياسي فإن الأرضية المشتركة التي يجب أن تقف عليها ليناقشك تؤدي الى حتمية النتائج التي يؤمن بها ...


سيبدأ داعم الإسلام السياسي وتطبيق الشريعة الذي تم تبسيط تفكيره بسؤال هل أنت مسلم مؤمن بالله أم لا , والبداية بهذا السؤال ليست بداية عبثية ... فإجابتك على هذا السؤال هي ما سيحدد تصنيفك وما إذا كنت تستحق الإستماع إليك أو لا , فلو لم تكن مسلماً فأنت كافر لا بد من البراءة منك وعدم موالاتك , كما أن كفرك هذا يجعلك لا تتبع الهداية الربانية والحقائق المطلقة التي يمتلكها صاحبنا البسيط ... فكلامك حتى لو كان منطقياً وعقلانياً ومفيداً فهو يظل كفراً ... ومهما كان طرحك جذاباً ومرتباً وسيؤدي الى مستقبل أفضل فهو لا يستحق أن يضيع صاحبنا البسيط آخرته وجنته بخمرها وحور عينها ! وفوراً سيتحول النقاش من السياسة والقانون والمجتمع الى معتقداتك وكيف نشأ الكون ومن أين تستمد بوصلتك الأخلاقية ... ومهما حاولت أن توسع مدارك صديقنا الضيقة ومهما إستشهدت بعلماء ودراسات فكلامك لن يؤثر ولن يغير قيد أنملة ... فأنت مجرد كافر مرتد مغيب عميل أعماك هواك عن نور الحق الذي لا يمتلكه إلا صاحبنا البسيط , إن الأولوية ليست في النقاش حول دولة ليبرالية تتعايشان فيها ... بل في هدايتك وحماية المجتمع منك إما بمصادرة حقوقك الإنسانية بإسم ديكتاتورية الأغلبية أو إنهاء حياتك بإسم حد الردة .

حتى لو نجوت يا صديقي من فخ السؤال الأول وأعلنت أنك مسلم غيور على الدين وتريد حماية قداسته من دنس السياسة فإنك لا محالة ستقع في فخ السؤال الثاني , فبما أنك مسلم فلا بد أن تطيع الله وبما أن الله أمرنا بإتباع الرسول فلا بد أنك تتبع السنة , وبما أن البخاري هو أكثر كتاب موثوق لنقل سنة الرسول فلا بد أنك توافق على ما فيه ... وأي محاولة منك لرفض البخاري بسبب منهجيته سيؤدي الى تكفيرك لا محالة ! فإذا كان القرآن وصلنا بالتواتر كما وصلنا صحيح البخاري فهل أنت تكفر بالقرآن ؟ ويعيدك فخ السؤال الثاني الى فخ السؤال الأول ... وبما أنك أمام قبول السنة أو التكفير أو الزندقة والإبتداع , وبما أن البخاري سيشرح ليك كل شيء من قضاء الحاجة الى إدارة الدولة فلا خيار لك إلا أن تتبع غالبية البسطاء وتطفيء سراج عقلك أو أن تجد قلة يتفقون معك لتمارس معهم حرية التفكير والتعبير في الخفاء .

لأبسط لك معضلتك مع مجتمعنا البسيط سأضرب لك مثالاً , أنت تقف أمام مريض لن يقبل أي علاج إلا من المعالج الشعبي ... مهما شرحت له عن سوء حالته وعن فوائد الأدوية الحديثة وأهمية المستشفيات والقطاع الصحي فإن كلماتك ستذهب أدراج الرياح . عليك أولاً أن تشرح لمريضك البسيط تاريخ المرض وتاريخ العلاج , سبب المرض وكيف تم إكتشافه وكيف يتم تشخيصه ... كيف يؤثر المرض على الجسد وكيف يوثر العلاج على المرض ... تاريخ العلاج الشعبي والطب الحديث ... تنوير طويل قبل أن يترك ما يبيعه المعالج الشعبي ليثق بما سيصفه الطبيب , وهذا يماثل واقعنا مع صديقنا البسيط الداعم للإسلام السياسي وتطبيق الشريعة , فلا فائدة ترجى من أن تجعله يستنتج مفاهيم جديدة من مصادره القديمة ... إن النصوص المقدسة في فهمنا السلفي للدين لم تأت فقط لنفهمها ونحاول تطبيق فهمنا لها , بل علينا إتباع مثال تاريخي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأجيال فهموا هذه النصوص وطبقوها وما علينا إلا الإتباع .

عبثاً يحاول من رهنوا أنفسهم حسب إدعائهم للتنوير ولكنهم لا يتحملون مشقة مشواره الطويل أن يحاولوا تنوير صاحبنا البسيط دون تغيير مصادر قناعاته وطريقة إستنتاجه منها وفهمه وتعامله مع الواقع , فصاحبنا لا مصدر للمعرفه له إلا الكتاب والسنة والسلف ... فيحاول مستنيرنا العجول أن يلوي عنق الآيات أو يشكك في التاريخ ليصبح صاحبنا المستنير فجأة علمانياً ليبرالياً على منهج الإمام أبي حنيفة أو إشتراكياً على منهاج الصحابي أبي ذر ! ومهما فعل صاحبنا المستنير الطامح في النتائج السريعة أو المتخوف من تهمة الردة وإزدراء الأديان فلن يغلب رجال الدين في بضاعتهم ... إن التراث الإسلامي مليء بأمثلة كثيرة لمحاولات تغيير فهم الإسلام كان مصيرها الفشل الذريع ولك في إبن رشد والمعتزلة إسوة حسنة .

سيعترض أحد على ما كتبته آنفاً في هذا المقال إعتراضاً مفاده أن النصوص المقدسة عموماً والإسلامية خصوصاً لم تستنفذ أهدافها ولن تستنفذها ,فتطور الإنسان عملية مستمرة وكذلك فهمه وتعامله مع النص ... وهنا يا عزيزي المعترض أنا لا أجعل التنوير حكراً على فئة من الفئتين , سواء المؤمنين بالنصوص الذين يريدون تطويرها وحفظ قداستها أو الكافرين بها الذين يريدون تجاوزها ... ما أقوله بإختصار أن التنوير في جوهره هو شك وبحث ونقد وتغيير وقبل كل هذا موقف شجاع , موقف لا ينطبق على من يبحثون عن منطقة وسطى بين التقليد والتجديد ... إن المحال بعينه هو أن تؤصل للدولة العلمانية وحقوق الإنسان في صحيح البخاري وتفاسير السلف ! فلو كان من الممكن لما عاش السلف في ظل دولة دينية ديكتاتورية ولما زالت الفاشية الدينية تطل برأسها كل حين وهي تؤصل لنفسها من نفس النصوص ! حتى لو إدعى صاحبنا المستنير العجول أنه يقدر على أن (يقلب الفسيخ شربات) .

إن كان التنوير قائماً على قدمي الشك والنقد فكيف تطالب صاحبنا البسيط الذي بني إيمانه على يقين راسخ أعمى أن يستنير ؟! كيف تتوقع من يقينه أن يغير قناعاته وارائه دون وقفة محاسبة جادة لكل ما عرفه يوماً ما ؟! في نقاشات كثيرة مع شركاء وطننا البسطاء الذي تم تجهيلهم لعقود أجد أغلب ردودهم على مقالاتي مفادها ما يلي : إنت لست مفكراً حراً كما تدعي , أنت إلهك الهوى ونبيك ماركس بعكسنا نحن اللذين نتبع الله ونبينا محمد ! ... طبعاً هذا الرد يلخص عقلية هؤلاء الرفاق وطريقة تفكيرهم , فالإجابات والحلول التي تطرحها لا يمكن أن تكون نتاج تفكير ونقد حرين , بل هي إتباع لإجابات جاهزة كما أن الدين إتباع لإجابات جاهزة ! بإختصار أنت لا تطرح فكراً بل ديناً جديد وحاشا أن نكفر بديننا ! والفيلسوف والمفكر ليس إلا رجل دين ... ولكنه يتبع الهوى ويوحى له من الشيطان بعكس رجال ديننا الذين يتبعون الحق ووحي الله ! بمعنى أن عقولهم البسيطة ستختزل المعضلة إلى حلال وحرام وكفر وإيمان .

إن التنوير الحقيقي ... التنوير الصعب والشاق ذو المشوار الطويل ... التنوير ذو الأساسات المتينة الذي نعول عليه ...  ليس الفهلوة التي تمارس في ساحاتنا الفكرية والثقافية والسياسية , ليس ذلك الأمل الكاذب بأن تتغير التصرفات دون تغيير الأفكار ... أن تنحصر مصادر المعرفة وتتوسع المدارك والآفاق ... أن يفهمنا الآخر دون لغة حوار مشتركة وتشخيص صحيح للمعضلة , التنوير بالنسبة لي ليس أن تبقى المصادر هي الكتاب والسنة ولكن أن يتغير تفسير رجال الدين ... بل أن يتثقف صاحبنا البسيط في اللاهوت وتاريخ الأديان , في
الهرمنيوطيقا , في التاريخ الإنساني وعلم الإجتماع , في السياسة والإقتصاد كعلوم مستقلة عن الدين , في الفلسفة والأدب , في نظرية المعرفة ومدارسها ... وغيرها الكثير , عندما تنصهر كل هذه المصادر في عقل صاحبنا البسيط , عندها وعندها فقط ... قد نستطيع أن نتحاور بشكل عقلاني خارج دائرة الحلال والحرام وقال القرآن وقال البخاري .

التنوير يا اعزائي القراء ليس تقديم إجابات جاهزة كما الدين نستخدمها حين تصلح ونجددها حين تنتهي صلاحيتها , التنوير هو مراكمة الاسئلة ... معضلة الإنسان الحقيقية أن الإجابات دائماً محدودة بينما الأسئلة بلا حدود , وهذا ما أنوي فعله في هذا المقال ... لن أستشهد بمفكر أو فيلسوف , أو أسرد تاريخاً يؤيد وجهة نظر أو يعارضها ... سأتحدى قناعاتكم اعزائي القراء , سأطرح اسئلة بسيطة جداً ... الهدف منها أن أريكم الأمور بزاوية قد تكون جديدة بالنسبة لكم ... إن الفكر البسيط يؤدي الى بساطة الإدراك والإستنتاج ... سترى الحياة بلونين فقط , الأبيض والأسود ... ستكون مرتاحاً ولكن أقرب الى التطرف , سأحاول أن أريك أن بين الأبيض والأسود أكواناً من اللون الرمادي ... وأحذرك عزيزي وعزيزتي المكتفين بتفسير إبن كثير وصحيح البخاري , التفكير والإطلاع وتثقيف الذات مهمة صعبة وشائكة قد تنزع عنكم راحة بالكم الحالية ... فوهم أنك تمتلك كل الإجابات وهم مريح جداً ... وهم آن الأوان أن نبدده ونستيقظ منه وأن نسلك الطريق الوعر , ليس لأجلنا فقط ... بل من أجل من سيأتون بعدنا .

فلنبداً


إذا سألت عن حكم الشرع في التدخين ستجد إجماعاً على حرمانيته إلا من بعض من المدخنين الذين سيمارسون الفهلوة بإسم التجديد كي لا يشعروا بالذنب وهم يدخنون , وسبب التحريم بسيط جداً ومعروف لدى الجميع ... فالتدخين ضار بالصحة ولا يستطيع أي كان أن يقول وهو في كامل عقله أن لفافة التبغ مفيدة ومليئة بالفيتامينات والمعادن ! فالتدخين سبب رئيسي للإصابة بعدة أمراض أخطرها سرطان الرئة ... فإذا بدأ أحد ما حملة لتجريم التدخين قانوناً سنستنتج أن حجته : ضار = حرام = جريمة ...
قريبي (ع.ع) , رجل فاضل , خيره للقاصي قبل الداني , توفي بسرطان الرئة ... لم تلمس شفتاه لفافة تبغ طوال حياته !

وهنا لنسأل أنفسنا : لماذا يموت شخص بسرطان الرئة وهو لم يدخن قط ويعيش مدخن عمراً مديداً ويموت بصحة جيدة نسبياً ؟ لنجيب هذا السؤال لا بد أن نتكلم عن مرض السرطان قليلاً , أنتم يا اعزائي القراء مجموعة من الخلايا ... هذه الخلايا تتصرف بناء على خريطتها الجينية , هذه الخلايا تعيش وتنمو وتعمل وتتضاعف وتموت بنظام معين لسلامة الجسد , فهناك خلايا تعيش لمدة يوم تقريباً مثل كريات الدم البيضاء وخلايا تعيش لسنوات كالعضلات وخلايا معك طوال عمرك مثل خلايا الدماغ , هذه الخلايا يتم تنظيمها لتنمو وتتضاعف وتموت بشكل وبقدر معين لكي يحيا الجسد ... بمعنى أنك الآن وأنت تقرأ كلماتي هناك خلايا تموت وتستبدل لأن وظيفتها أن تموت لتحيا أنت بصحة جيدة , عندما يحدث إضطراب في وظيفة إنتحار الخلايا من أجل مصلحة الجسد العظمى يسمى ذلك بالسرطان , ببساطة هو أن الخلايا تتكاثر بشكل عشوائي ولا تؤدي وظيفتها ... خلايا تتمرد على سلطة الجسد وتحيا كما تشاء بغض النظر عن مصير الجسد , سيدة تسمى هنريتا لاكس توفيت بسرطان في عنق الرحم عام 1951 م ... ولا يزال الورم الذي قتلها حياً في المعمل حتى الآن !!! هذه الخلايا (الخالدة) لا تموت بعد أن تنقسم وساهمت في عدد هائل من الدراسات عن السرطان حتى الآن , ربما يكون البحث في موضوع السرطان مفتاحاً لإطالة عمر الإنسان في بحثه الدائم عن الخلود ولكن هذا ليس موضوع هذا المقال .

هناك عوامل تؤدي الى خلل في إنتظام إنقسام الخلايا وموتها وتساهم في التسبب في السرطان , ومنها التدخين ... ولكن العامل الأهم الذي لا يعيه الغالبية هو القابلية الجينية للسرطان , إنتشر خبر عن أسرة كاملة قام أفرادها بإستئصال المعدة جراحياً لأن لديهم جيناً يزيد نسبة الإصابة بسرطان المعدة الى حد كبير ... بمعنى أن عيباً في التصنيع أو تعديلاً بسيطاً في الجينات قد يجعلك قابلاً الى حد كبير للإصابة بالسرطان !

تخيلوا معي اعزائي القراء أن التطور العلمي جعلنا نستطيع قراءة الجينات بشكل أفضل ونحدد مستقبل علاقة الجسد بالسرطان , ووقف أمامك أحد ما وقال أن جيناته تجعل إصابته بسرطان الرئة مستحيلة ... هل التدخين بالنسبة له حلال ؟!

دعونا من السيناريوهات المستقبلية ولنناقش بعض القضايا الواقعية من حاضرنا لنتحدى القاعدة البسيطة : ضار= حرام = يجب تجريمه قانوناً


ولنبدأ بسؤال : أيهما أكثر ضرراً ... تناول السكر أم التدخين ؟

سيجيب الأغلبية دون تردد أن التدخين هو الأكثر ضرراً , فالسكر مادة غذائية ومصدر للطاقة بعكس التدخين أحد أهم مسببات سرطان الرئة ... ولكن حين تتخلى عن عقلية صاحبنا البسيط وتبحث وتتعمق في الموضوع ستكتشف أن الموضوع ليس بهذه البساطة وأن هذه الإجابة قد تصبح خاطئة في القريب العاجل . حين نتكلم عن السكر المصنع الذي يدخل تقريباً في كل شيء فإنه يؤثر على إستقلاب الجسد ومسبب رئيسي للسمنة المرتبطة مباشرة بعدة سرطانات ! سيحاجج صاحبنا البسيط أنه إن لم تصبني السمنة فإن السكر ليس خطرأ ... ولكن ماذا لو أخبرناه أن السكر بالإضافة الى أنه يسبب الإدمان كما التدخين فإن دراسة نشرت في
Journal of Public Health تم تحليل بيانات 5300 أمريكي أعمارهم بين بين العشرين والخامسة والستين أظهرت أن من يتعاطون المشروبات الغازية بشكل يومي يعانون من تأثر جزء من جيناتهم وهو ال Telomeres , وتأثر هذا الجزء تم ربطه طبياً بمعدل العمر والإصابة بالسكري والسرطان ! وتم نشر رسالة أخرى يؤكد هذه المعلومة في دراسة نشرت في 2014 بعنوان : Soda and Cell Aging: Associations Between Sugar-Sweetened Beverage Consumption and Leukocyte Telomere Length in Healthy Adults From the National Health and Nutrition Examination Surveys

الكاتب
Gary Taubes في كتابه  The Case Against Sugarبعد عرض دراسات تربط بين السكر وأمراض مثل السمنة والسكري وأمراض القلب والسرطان والسكتة الدماغية وإرتفاع ضغط الدم والخرف وأمراض الكبد أن السكر قاتل أكبر خطراً من التدخين ! كان التدخين يمارس بشكل طبيعي جداً وتسبب بأضرار ضخمة قبل أن نعي خطره ونربط بين التدخين ومضاره , ويبدو أن البشرية تكرر نفس الخطأ مع السكر ...

لننتقل الى قضية أكثر جدلاً ولنحاول زعزعة المزيد من القناعات ...

الماريجوانا , تدخين هذه النبتة , حيازتها أو بيعها يضعكم تحت طائلة القانون ... وإذا سألنا أحد المؤيدين لمحاربة هذه النبتة قانوناً سنجد أن لهم عدة مبررات منها أن تدخين الماريجوانا ضار وقد يؤدي الى الجنون أو الإدمان حسب معادلة أصدقاءنا البسطاء : ضار = حرام = جريمة ...


ولكن لنتأمل نبتة الماريجوانا بشكل علمي بحت وبدون أحكام مسبقة , بدأ البشر بإستخدام نبتة الماريجوانا منذ 8000 عام والبداية كانت بتناول بذورها المغذية جداً , كما أن سيقان النبتة تحتوي على ألياف قوية جداً تستخدم في صناعة الملابس والحبال , تحتوي نبتة الماريجوانا على عدة مواد كيميائية أهمها ال
THS وهذه المادة تحمي النبتة من الحيوانات آكلة النباتات لأنها تجعل نبتة الماريجوانا سيئة المذاق ... ال THS يشابه في تركيبه أحد النواقل العصبية في الجسم وهو Anandamide , جسدك يستخدم هذا الناقل العصبي لتنظيم الجوع والنوم وتخفيف الألم وتقوية المناعة , لذلك فإن تدخين الماريجوانا يسبب أعراضاً مثل الجوع والنعاس وإرتخاء العضلات , كما أن هذه المادة تؤدي الى زيادة النشاط الدماغي في المناطق المسؤولة عن الأفكار والخيال والإستيعاب ... لذا فإن كل ما تلتقطه حواسك وأنت High بسبب الماريجوانا سيكون ممتعاً ومثيراً للإهتمام .

أما بخصوص أن نبتة الماريجوانا تسبب الإدمان فهذه معلومة مبتورة , القهوة والسكر يسببان الإدمان ... في إستطلاع للرأي نشر على قناة
Top Trending على اليوتيوب 9% من مستخدمي الماريجوانا صرحوا بأنهم مدمنون أو تصيبهم أعراض إنسحابية عند التوقف عن تدخين الماريجوانا , مقارنة ب 13% من متعاطي القهوة الذين قالوا أنهم مدمنوها وتركها قد يسبب لهم عدة أعراض وقد لا يستطيعون الذهاب الى العمل دون تعاطي القهوة !

وأما بخصوص الأضرار التي قد تسببها الجرعة الزائدة من الماريجوانا فلا توجد حالة طبية واحدة مسجلة ل
Marijuana overdose , في دراسة أجريت على فئران لتحدد ما هي الجرعة الخطرة من THS تم إعطاء الفئران جرعة من ال THS تساوي 40 ألف ضعف الجرعة التي يحتاجها الفأر ليصبح مسطولاً أو Stoned , والنتيجو أن الفئران نامت لمدة 3 أيام وإستقيظت بصحة جيدة ودون أضرار .

لذا فإن هناك إهتماماً داخل الحقل الطبي للإستخدام الطبي القانوني لبعض أنواع الماريجوانا الغنية بال
THS لزيادة الشهية وتقليل الغثيان عند المصابين بالإيدز أو من يخضعون للعلاج الكيماوي وكذلك حالات الأرق والألم المزمن لخصائص الماريجوانا المضادة للإلتهاب كما أن لها أثراً مذهلاً في علاج المصابين بالصرع ... ومثال على ذلك الطفلة شارلوت فيجي ذات الستة سنوات التي كانت تعاني من حالة مستعصية من الصرع التي كانت ستودي بحياتها , كانت شارلوت تصاب بما يقارب ال 300 نوبة صرع في الأسبوع ... بعد أن حاول والداها كل العلاجات الممكنة قررا إستخدام الماريجوانا الطبية والنتيجة أن شارلوت الآن تصاب بنوبتين أو ثلاث في الأسبوع , تم إنقاذ دماغها وحياتها بفضل الماريجوانا .

ونختم بهذه المعلومة قبل أن نتجاوز موضوع الماريجوانا , دراسة تمت في جانعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو علي يد
Mark Pletcher, MD, MPH , الدراسة كانت تبحث أيهما أخطر على الرئتين : التبغ أم الماريجوانا ؟ والنتيجة : Marijuana Shown to Be Less Damaging to Lungs Than Tobacco ! تدخين الماريجوانا أقل ضرراً على الرئتين من تدخين التبغ !

صحيح أن الموضوع ليس بهذه البساطة , فهناك دراسات لها نتائج معاكسة ومن يدخنون التبغ يدخنون كميات أكبر من مدخني الماريجوانا ومدخنوا الماريجوانا لا تحتوي لفافاتهم على فلتر كما السجائر , كما أنه لا أبد تجرى دراسات أخرى على تأثير الماريجوانا على بقية أعضاء الجسم وليس الرئتين فقط ... ولكن إذا قال العلم كلمته بأن تدخين الماريجوانا أقل ضرراً وأكثر فائدة من تدخين التبغ ... ما سيكون موقف صاحبنا البسيط ؟ هل سيؤيد إلغاء القوانين ضد الماريجوانا ؟ وإن جرمنا الماريجوانا قانوناً هل نجرم إستخدام التبغ أيضاً ؟ وإن جرمنا الماريجوانا والتبغ فهل نجرم تناول السكر ؟!

يقول الفيلسوف نعوم تشومسكي رأياً مثيراً للإهتمام عن تجريم الماريجوانا , هو مجرد رأي وليس مستنداً على دراسة أو إحصائية , الحشيش أو ال
Weed ينمو في كل مكان , بمعنى أن زراعة الحشيش وتعاطيه لن يكلفك الكثير , بعكس صناعة التبغ التي هي صناعة ضخمة تدر بالمليارات على زراعة التبغ وحصاده ومكافحة آفاته الزراعية وتصنيعه وتوزيعه ... بمعنى أنها صناعة يمكن ضبطها , بعكس الحشيش الذي لا يمكن ضبطه ولا يحتاج الى ضبط , لذا فإن الشركات الرأسمالية الضخمة تدفع ليكون تعاطي التبغ قانونياً لأنها تستطيع إحتكاره والإستفادة منه ... بعكس الحشيش الذ يصعب إحتكاره لو أصبح قانونياً وتوفره وعدم ندرته تجعل الإستفادة منه مالياً أمراً مستحيلاً .

وهنا سؤال : هل هناك قوة رأسمالية تطوع القانون حسب مصالحها , فتبيح ما يمكنها أن تبيعه وتمنع ما لا يمكنها بيعه ؟! لست من أنصار نظرية المؤامرة لكنه رأي يستحق التأمل وإعادة النظر في قضايا شتى .

موقع Mayo Clinic نشر مقالاً عن الفوائد الصحية المعتدلة لشرب الكحول ! منها تقليل خطر الإصابة بالأمراض القلبية والسكتة الدماغية ومرض السكري ! ومرفق مع هذا المقال كمية المشروبات الحكولية التي يعتبر إستهلاكها إستهلاكاً معتدلاً , وهنا سؤال ... هل نسمح بشرب المشروبات الكحولية بمقدار معين لتحقيق فائدتها الطبية ؟ طالما أن كل ما نستهلكه أو نتعامل معه له فوائد ومضار ولا يوجد شيء مفيد مطلقاُ أو ضار مطلقاً , ماذا نبيح وماذا نمنع قانوناً ؟ ومن يمتلك هذه السلطة ؟ وإذا كنت تملك إجابة لهذا السؤال ... هل تستطيع عقلنتها وتعضيدها بأدلة علمية ؟!

لننتقل الى موضوع آخر : ما هو موقفك من شخص قتل مجموعة من الأشخاص بدم بارد ؟ أو شخص يتحرش بالأطفال ؟ هل تؤيد أن يتلقى أمثال هؤلاء أقصى عقوبة ممكنة ؟ ماذا لو قلت لك أن بعض هؤلاء يستحق البراءة ؟!

مجلة
The Atlantic نشرت مقالاً بعنوان : The Brain On Trial محاكمة العقل , هذا المقال يتضمن قصصاً غريبة ومرعبة ...

تشارلز ويتمان , عمره 25 عاماً , تخرج من كلية الهندسة المدنية جامعة تكساس , زوج محب وشخص مجتهد في عمله , في أغسطس 1966 قام تشارلز بقتل أمه وطعن زوجته في نومها حتى الموت وصعد الى إحدى الطوابق العلوية في جامعة تكساس ومعه كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة , قتل 13 شخصاً وجرح 32 شخصاً , أطلق النار على المارة ومنهم نساء وأطفال , أطلق النار على إمرأة حامل ثم أطلق النار على زوجها حين إنحنى ليساعدها ! وأطلق النار على سيارات الإسعاف التي أتت لتنقذ المصابين حتى أتت الشرطة وأردته قتيلاً ...

أخمن أنك تتصور أن تشارلز كان وحشاً عديم الرحمة ويستحق أن يلقى مصيراً أسوء , ماذا لو قلت لك أن تشارلز كتب مذكرة قبل موته ... كتب أنه مؤخراً صار يعاني من أفكار وأحاسيس لا يجد لها تفسيراً , كتب أنه كان يرى نفسه عقلانياً ومنطقياً ولكنه مؤخراً تجتاحه رغبة جارفة لقتل زوجته التي يحبها كثيراً دون مبرر ! كتب أنه جلس مع طبيب لمدة ساعتين بسبب النوبات العنيفة التي يشعر بها ولم يذهب إليه مرة أخرى , وطلب في وصيته الأخيرة أو مذكرة إنتحاره أن يتم تشريح دماغه لعل أحداً ما يجد تفسيراً لما يمر به ... تشريح دماغ تشارلز أفصح عن إصابة تشارلز بورم دماغي في منطقة في الدماغ تسمى
Amygdala ... المنطقة المسؤولة عن تنظيم الخوف والعنف وأي إخلل فيها يؤدي لإضطرابات عاطفية وإجتماعية !

في عام 2000 م شخص يدعى
Alex , عمره أربعون عاماً , تغير ميوله الجنسي وصار بيدوفيلياً أو يشتهي الأطفال جنسياً , صار مدمناً على الأفلام الجنسية والمجلات المتعلقة بالأطفال ... بل حاول التحرش بإبنة زوجته الصغيرة ! تمت محاكمته بتهمة التحرش بطفل وإعترف بأنه مذنب , كان يعاني من صداع مزمن , في الليلة التي تسبق تنفيذ حكم السجن زاد ألم الصداع بشكل رهيب فذهب الى المستشفى وبعد تصوير دماغه تبين أنه يعاني من ورم ضخم في الدماغ في منطقة orbitofrontal cortex , وبعد إستئصال الورم جراحياً عادت ميول اليكس الجنسية الى طبيعتها !

في يوم 24 مايو 1978م قام
Kenneth Parks بالخروج من بيته وقاد سيارته لمسافة 23 كيلومتر في شوارع تورنتو ووصل الى بيت والدي زوجته وقام بضرب نسيبه وتكتيفه ثم طعن نسيبته 6 طعنات إحداها في القلب حتى الموت ! ثم يخرج من بيتهما ويذهب الى قسم الشرطة ويقول : أظن أنني قتلت شخصاً ما ! وكانت يداه مصابتان إصابات بالغة دون أن يشعر بأي ألم  ! تم الحكم على كينيث بالبراءة لأن إرتكب هذه الجريمة البشعة وهو نائم ! فكينيث لديه تاريخ شخصي وعائلي طويل من ال Parasomnia إضطرابات النوم .

إن النقاش في هذه القصص ومثيلاتها أم صعب ومعقد , فهذه القصص تشير الى اسئلة عويصة إرتبطت بتاريخ البشرية الطويل عن وهم الإرادة الحرة وهل نحن نمتلك الإرادة والحرية لنختار أم أننا لا نملك خياراً وأن جيناتنا وأجسادنا وثقافتنا هي المتحكمة فينا ونحن نتوهم أننا نختار ؟ وإن كنا مسيرين هل من العدل أن نعاقب المجرمين ؟ وإن لم نعاقبهم كيف سنعيش ؟! هل سيأتي يوم تختفي السجون ويكون مكان المجرمين في المصحات النفسية وغرف عمليات المخ والأعصاب ؟! من يدري ؟!

ولكن بعيدأ عن إكتشافات علم الأعصاب التي تضحد الإرادة الحرة وبعيداً عن أهمية المسؤولية الفردية لأفراد المجتمع بشكله الحالي ... ما هو موقفك بعد أن عرفت قصة تشارلز وأليكس ؟ هل تعتقد أن تشارلز كان يستحق الموت أو الحبس المؤبد ؟ بما أننا لا نستطيع عمل مسح دماغي لكل مجرم وبما أننا لا زلنا نتعلم عن الدماغ كل يوم ... ما هو موقفك من الغاء عقوبة الإعدام والإكتفاء بالحبس المؤبد ؟ بحجة أننا لا نعرف هل المجرم الذي بين أيدينا قصته مشابهة لقصة تشارلز أو أليكس وأننا لا ندري ماذا سنكتشف في المستقبل ... هل تؤيد أو تعارض ؟

الدراسة التالية التي سأسردها عليكم الهدف منها توضيح مدى تعقيد دماغ الإنسان

هناك جسر من الأعصاب يربط نصف الدماغ الأيمن بالأيسر , هذا الجسر يسمى
Corpus Collusom , وكان شائعاً في الماضي قطع هذا الجسر العصبي لعلاج المصابين بالصرع ... هذا الجسر هو حلقة الوصل التي يتم بها التنسيق بين نصفي الدماغ , وبدونها يتحكم الجزء الأيمن من الدماغ بالشق الأيسر من الجسم والجزء الأيسر من الدماغ بالشق الأيمن من الجسم بشكل مستقل ودون تنسيق !

في مؤتمر علمي قام به عالم المخ والأعصاب
Ramachandran في جامعة يو سي سان دييغو بعرض حالة شخص أجريت له هذه العملية , تم فيها إستجواب نصف الدماغ الأيسر بالهمس في الأذن اليمنى والكتابة باليد اليمنى وإختيار جواب من ثلاثة : نعم , لا , لا أدري والعكس مع نصف الدماغ الأيمن ... وكانت المفاجأة حين سئل هذا الشخص هل تؤمن بوجود إله ؟ أجاب نصف الدماغ الأيمن مستخدماً اليد اليسرى بنعم وأجاب النصف الأيسر من الدماغ مستخدماً اليد اليمنى بلا !

وبما أن هذه العملية تجعل لكل نصف دماغي تحكماً ورأياً مستقلاً وكأنهما شخصان في جسد واحد هنا سؤال ... هل تؤمن بأن الشخص أعلاه يستحق أن يقام عليه حد الردة لو كان مسلماً مثلاً ؟ وإن كنت تؤمن بحياة بعد الموت فما هو مصيره ؟!

ولنختم هذا المقال بموضوع مثير للجدل حالياً وأعتقد أن إتخاذ قرار فيه أسهل بكثير من الواضيع السابقة ... وهو ختان الذكور

في مجتمعنا السوداني ومجتمعات أخرى كان ختان الجنسين هو الأمر الطبيعي , حتى قال العلم كلمته في أمر ختان الإناث وأثبته أضراره البالغة والمستطيره على حياة الأنثى الجنسية وصحتها الإنجابية , صحيح أن ختان الإناث لا يزال يمارس في السودان رغم المجهودات التوعوية والقوانين المجرمة لختان الإناث إلا تناول موضوع ختان الذكور ضعيف جداً ... حتى أن من يقومون بالتوعية ضد الختان يصرحون أنهم ضد ختان الإناث وليس الذكور وكأن مناقشة ختان الذكور تهمة وجريمة لا تغتفر !

وهنا نسأل : هل ختان الذكور مفيد حقاً أم ضار كختان الإناث ؟

بغض النظر عن التبرير الديني الواهي والطفولي لختان الذكور بأن الإله طلب من إبراهيم أن يختن نفسه وذريته كعلامة ميثاق بينهم وبين الله ! إلا أنني قبل أن أجيبك عن السؤال أعلاه من منظور علمي وعقلاني يجب أن تفهم ديناميكية العلاقة المضطربة بين العلم والدين , الأمانة العلمية تقتضي أن تتبع المنهجية العلمية وأن تقبل النتيجة العلمية دون وصاية من الدين ... العلم له رأيه المستقل ولا يهدف إلا إثبات أو تأكيد ما جاء به الدين ... بل على العكس , كثيراً ما كانت الإكتشافات العلمية في الماضي مصادمة للدين بشكل مباشر , وأقرب مثال لذلك هي فتوى إبن باز عن أن الأرض مسطحة وثابتة ولا تدور وكل من قال غير ذلك فهو كافر مخالف للقرآن !

غالبية المسلمين الآن لا تؤمن بهذا الكلام الفارغ لسبب بسيط , لأنهم أعادوا فهم وتفسير نصوصهم المقدسة لتتوافق مع الحقائق العلمية ... بمعنى أن الدين تراجع أمام العلم .

إن أكبر معضلة تواجه الإسلام السياسي هو عجزهم عن عقلنة أطروحاتهم السياسية المستمدة من الدين , لذا يصرون على مرجعية الدين وإستبعاد العقل كي لا ينزاعهم أحد في سلطتهم وتجارتهم , ولكن إن كانت معتقداتك الدينية مخالفة للعلم فإن دينك يدعو للجهل والتخلف وأنا فعلاً أشعر تجاهك بالشفقة والأسى .

لو قال لك أحدهم أن ديناً ما يشترط على أتباعه سلخ جلد أحد الأصابع , بماذا ستعلق ؟ طبعاً ستنقد هذا التشريع وتصفه بالغباء ... المشكلة أن المتدين يوجه تفكيره النقدي تجاه كل الأديان والأطروحات العلمية المعارضة لدينه ما عدا دينه الخاص ! جلد الأصابع ليس جلداً مميزاً ولا يختلف في تركيبه عن بقية الجلد في الإنسان إلا بتغييرات طفيفة ... فما اللذي يجعل سلخ الأصابع سخافة وسلخ العضو الذكري عقلانياً ومنطقياً ؟!

إن أقل دراية بتشريح ووظيفة جلد القضيب كجلد غني بالأعصاب ويحتوي على غدد لها إفرازات هامة ومؤثرة في العملية الجنسية يجعل مجرد التفكير في ختان المولود الذكر ضرباً من السخافة , كما أنك لو كنت مؤمناً بأن الإنسان من خلق الإله فممارسة الختان هو إعتراف ضمني منك بأن الجلد الذي يزال جراحياً بالختان هو خطأ تصميم وتصنيع متعمد من خالق الإنسان ! وكعادة بعض من يلوون عنق العلم ليخلقوا شرعية علمية وهمية لممارسات دينية فهم يقدمون بعض الحجج التي يسعدني أن أضحدها لكم ...

ستيفن ودفورد صاحب قناة
Rationality Rules على اليوتيوب قام بعمل فيديو بالتعاون مع قناة Counter Arguments عن ختان الذكور , والفيديو يحتوي على مصادر وإحصائيات مثيرة للإهتمام ...

الحجة الأولى للمدافعين عن ختان الذكور : ختان الذكور يقلل الى حد كبير خطر الإصابة بسرطان العضو الذكري .

أولاً :
American Cancer Society في تقرير لها عن موضوع الختان وسرطان القضيب وضحت أنه لا فائدة تذكر للختان في الوقاية من سرطان العضو الذكري , ثانياً : نسبة خطر الإصابة بسرطان القضيب في الولايات المتحدة حيث 77% مختونون هي شخص في كل 1437 شخص مقارنة بالدنمارك حيث 1,8% فقط من الذكور مختونون هي شخص في كل 1694 شخص وبالتالي لا فرق يذكر ولا يوجد إنخفاض ملحوظ لخطر الإصابة بسرطان العضو الذكري في المجتمعات التي تمارس ختان الذكور , ثالثاً : بنفس هذا المنطق الأعوج يمكننا أن نطالب يإزالة الزائدة الدودية لكل مولود ! فنسبة الإصابة بإلتهاب زائدة دودية مهدد للحياة هو 7,3% (شخص في كل 14 شخص) في المجتمع الأمريكي وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة الإصابة بسرطان القضيب ... وماذا عن إزالة الثديين لكل مولودة للوقاية من سرطان الثدي ؟! فنسبة الإصابة بسرطان الثدي حسب إحصائيات أجريت على المجتمع الأمريكي هي 12,4% !

طبعاً المخاطر الجراحية لإزالة الزائدة الدودية أخطر بكثير من الختان ولكن هذا لا ينفي أن أرقام الوفيات في الأطفال بسبب الختان لا تزال مخيفة ومرعبة , وحتى لو توفرت وسيلة آمنة لإزالة هذه الأنسجة فلا يوجد مبرر طبي لإزالة أنسجة سليمة من طفل لا حول له ولا قوة ولا قرار في هذا الأمر ... وأحد الأشياء التي أفتخر بها أنني في مشواري الطبي لم أقم بعملية ختان واحدة لذكر أو لأنثى .

الحجة الثانية : ختان الذكور يقلل من خطر الإصابة بمرض الإيدز .

صحيح أن منظمة الصحة العالمية
WHO أعلنت أن ختان الذكور يقلل من إنتقال مرض الإيدز بنسبة 60% وتوصي بأن يتم ختان الذكور في مؤسسة طبية متخصصة وبعد موافقة طبية من المختون ولا توصي ابداً بختان الأطفال , كما أن نسبة الوقاية بالواقي الذكري أعلى بكثير وأكثر أماناً , ثم إن هناك إحصائيات أخرى تعارض ما أتت به منظمة الصحة العالمية ... نسبة المصابين بالإيدز في الولايات المتحدة الأمريكية حيث 77% مختونون هي 0,6% مقارنة بالدنمارك حيث 1,8% فقط مختونون نسبة الإيدز 0,16% وفي إسبانيا حيث 2% فقط من الذكور تعرضوا للختان نسبة الإيدز 0,42% ... إذن لا توجد علاقة مباشرة بين ختان الذكور وإنخفاض نسبة المصابين بالإيدز .

الحجة الثالثة : ختان الذكور يساعد على النظافة ويحمي من الإلتهابات البولية .

لا توجد إحصائية في العالم تشير الى أن الدول التي تمارس الختان تقل فيها نسبة الإصابة بالإلتهابات البولية , ولا توجد منظمة صحية لها إعتباريتها في العالم توصي بختان الذكور بشكل روتيني ... هئا الكلام لا أساس له من الصحة ولا تدعمه أي أدلة علمية .

ختاماً

إن كنتم تظنون أن ما كتبته عن ختان الذكور هو مجرد هذيان لا وزن له فإعلموا أعزائي القراء أن القناعات تتغير وتتبدل مع التطور الإنساني , فكما تجاوزت البشرية مؤسسة الرق وختان الإناث سيأتي يوم تتجاوز فيه ختان الذكور , ختان الذكور الذي كان يناقش في أضيق نطاق ممكن صارت تكتب عنه كتب ومؤلفات ويزداد معارضوه عدداً وشجاعة يوماً بعد يوم ... وأحيطكم علماً أن هناك مجموعة على موقع فيسبوك بإسم : ختان الذكور جريمة وإفتراء على الإسلام , هذه المجموعة تقوم بنشر الكتب والمقالات والإحصائيات عن ختان الذكور وروادها مسلمون ضد الختان .

أناشد كل أب وأم قبل أن يعرضوا إبنهم للختان أن يتريثوا وأن يقرأوا أكثر عن الموضوع من وجهة نظر مختلفة , وأفضل أن ينتظروا حتى يكبر الطفل ويتخذ القرار بنفسه ... فهذا ما أنوي أنا فعله إذا حظيت بأطفال , وأما عذر أننا نختن أطفالنا ونحن بخير فيوماً ما كانت هذه الحجة الواهية تستخدم لتبرير ختان الإناث ... والهدف أن نغير أفكارنا وعاداتنا لنعيش أفضل حياة ممكنة .

ولكن المقال لا يناقش ختان الذكور فقط , المقال بدأ بسؤال عن القانون المثالي , علماني أم إسلامي ؟

لنجيب عن السؤال لا بد أن تعرف ماذا نعني بكلمة إسلامي وكلمة علماني , إسلامي نعني بها مستمد من نصوص دينية ثابتة , بينما العلمانية نعني بها النسبية والتغيير الدائم ... فالعلماني ليست لديه سلطة يخضع لها بشكل أعمى ومطلق , فكل ما أنتجه العقل هو قابل للنقد والتعديل والتطوير ... لذا لنجيب عن السؤال لا بد أن نعي أنه لا توجد صيغة قانونية ثابتة تحول الدنيا الى جنة عدن وهذه الصيغة صالحة لكل زمان ومكان مهما إرتفع صراخ رجال الدين , حال البشر متغير بشكل دائم ... وصاحب هذه التغيير عبر التاريخ تغييرات لا حصر لها في الدساتير والقوانين والمعاهدات ,منها على سبيل المثال الموقف من الرق وختان الإناث وحد الردة ... حالياً وأنا أكتب لكم هناك مجموعة من المسلمين يسمون بالقرآنيين , مجموعة منهم تناقش موضوع شهر النسيئة وإعادته الى السنة الهجرية لضبط الشهور مع الفصول الأربعة ! تخيل أن طائفة من المسلمين يوماً ما يسكون لهم تقويم مختلف ومواقيت مختلفة للشعائر الدينية !

إن ميثاق حقوق الإنسان الذي يضمن حرية الإعتقاد والتفكير والتعبير جعل السيطرة على الأفكار وقمع المختلف أمراً صعب المنال , وهذه الحرية الفكرية لها إنعكاساتها على واقعنا لا محالة ... يوماً ما كان المصابون بالإضطرابات النفسية أو الهلاوس يتهمون بالسحر ويعاقبون بالسجن أو ما هو أبشع , اليوم بعد أن فهمنا أنهم ابرياء لا ذنب لهم في وضعهم الحالي يتم وضعهم في المصحات والإهتمام بهم ومعالجتهم وتأهيلهم ... لذا يا اعزائي البسطاء حين تناقشون شخصاً علمانياً في شأن قانوني إعلموا أنه لا يملك وصفة سحرية ناجعة كما يدعي رجال الدين أو نص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , العلماني سيستفتي عقله ليس بما يوافق النص المقدس بل بما يوافق ويطور الوضع الحالي ... وما يقترحه العلماني سيتغير مع تغير الواقع .

بإختصار لا يوجد قانون مثالي , الموقف المثالي من القانون هو أن نكون دوماً على إستعداد لنراجع أنفسنا كلما زاد فهمنا عن الإنسان وبيئته ... كما قال ستيفن هوكنز : إن عدو المعرفة الحقيقي ليس الجهل بل الوهم بالمعرفة . وهذا بالضبط ما أصابنا في السودان , إن عملية التجهيل والتغييب المستمرة التي مارستها الحركة الإسلامية منذ بدايتها حتى الآن هي التي خلقت الغالبية البسيطة ... الغالبية التي تتوهم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وبالتالي لم تبحث ولم تشك ولم تتغير , الغالبية التي لن تقرأ التاريخ أو علوم الإجتماع أو علوم السلوك الإنساني أو علوم الجريمة أو القانون لتصل الى قرار , بل ستنقاد بشكل أعمى وراء رجال الدين , ولا أريدكم أعزائي البسطاء أن تظنوا أن هدف هذ المقال تجريم تعاطي السكر أو حماية تعاطي الحشيش بالقانون ... فأنا أعلم أن السودانيين الآن في نهاية عام 2018م لا يجدون الخبز الحاف بما بالك بالسكر , ولكن هدفي من هذا المقال هو أن أتحدى قناعاتك , أن أخرجك من وهم المعرفة وأن تعي الى أي درجة نحن جهلاء ... فكلما قرأت كتاباً لن تزداد علما فقط ... بل ستزداد علماً بحجم جهلك أيضاً .

إن الهدف من هذا المقال هو أن يكون خطوة في أن يجعلك شخصاً عقلانياً ومنطقياً وقابلاً للتغيير والتطوير , أن توسع مداركك وأن تستقي المعرفة من أي مصدر ممكن , أن لا تكون متشدداً متحجراً لا ترى واقعك ولا تغير رأيك ولا تشكك في قناعاتك ... إن أحد أهم مآسينا هي اليقين الإعمى , فالداعشي الذي يفجر نفسه لا يستطيع الإقدام على خطوة كهذه دون يقين أعمى , فالشك هو قاتل التشدد وبوابة التغيير .

هذا المقال هو مجرد دعوة للشك والتفكير ليس إلا

والإنسان والوطن من وراء القصد

1 comment:


  1. تحية للكاتب ولكل من أثرى بعقله وقلمه مجرى النقاش. أنا من قراء عبدالله القصيمي المفكر المبدع الذي عانى الأمرين من المتدينين. لكن يا أهل السعودية هناك أمل طالما أن أقلامكم قد وصلت إلى الحوار المتمدن ... متنفس الحرية.
    رحلات الي شرم الشيخ
    حجز رحلات شرم الشيخ
    عروض رحلات شرم الشيخ
    رحلات شرم الشيخ
    رحلات الي شرم الشيخ
    حجز رحلات شرم الشيخ
    عروض رحلات شرم الشيخ
    رحلات شرم الشيخ
    رحلات شرم الشيخ
    شركة تصميم مواقع

    ReplyDelete